موعظة من الشيخ في وجوب الإخلاص في طلب العلم الشرعي والعمل به ، مع بيان شرطي قبول العمل .
الشيخ محمد ناصر الالباني
الشيخ : إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله ، يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون ، يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيرًا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا ، يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزًا عظيما ؛ أما بعد :
فإن خير الهُدى هدى محمد - صلى الله عليه وآله وسلم - وشر الأمور محدثاتها وكل محدثةٍ بدعة ، وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار ؛ وبعد أيضًا :
... وطلب العلم المستقى من كتاب الله وسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم .. على إخواننا الحاضرين جميعًا - إن شاء الله - إن العلم بالنسبة للعمل هو كالوسيلة بالنسبة للغاية ، أو بالنسبة للسبب مع المسبب ، فإذا حصل الوسيلة ولم يصل إلى الغاية فقد يكون خسر تعبه في تحصيل الوسيلة التي لم يتوصل بها إلى الغاية ، أو في تحصيل السبب الذي لم يتوصل . - كلمة - . وأعتقد أن هذا الكلام ليس معمًا أو فلسفة ما هي ظاهرة ولا هي واضحة ، وإنما هو أمرُ جليٍ غير خفي ، مثاله مثلاً إنسان اشترى مسجلة ما ثم وضعها جانبًا ، المسجلة وسيلة والغاية منها هو استفادة العلم ، فحينما ألقاها جانبًا معنى ذلك أنه لم يستفد من هذه الوسيلة شيئًا ، والأمثلة كثيرة وكثيرة جدًا ، وكما قيل تكفيه الإشارة وغرضي أن أقول بأن العلم مع العمل يجري مجرى الوسيلة مع الغاية أي يجب على كل مسلم علم شيئًا من أحكام الشرع أن يعمل به وإلا كان علمهُ به ليس فقط لم يستفد منه شيئًا كما ضربنا آنفًا مثلاً بالنسبة للوسيلة مع الغاية بل قد خسر بعلمه هذا وكان خسرانه خسرانًا كبيرًا ؛ لأن الله - عزَّ وجلّ - أخذ العهد من كل من عمل علمًا ثم لم يعمل به ، كان وبالاً على صاحبه ، كما قيل وهذا القيل ليس قيلا يعني من باب التمريض وإنما هو قول مستقًا من الشريعة ، هذا القيل هو الذي يقول أول الناس عذابًا يوم القيامة عالم لم يعمل بعلمه وسند هذا الكلام قوله - عليه الصلاة والسلام - كما جاء في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : يؤتى بالعالم يوم القيامة فيلقى في النار ، فتندلق أقتاب بطنه ، ويدور في النار كما يدور الحمار بالرحى ، فيطيف به أهل النار ، فيقولون له يا فلان مالك ؟ ألست كنت تأمرنا بالمعروف وتنهانا عن المنكر ؟ فيقول : نعم ، كنت آمركم بالمعروف ولا آتيه ، وأنهاكم عن المنكر وآتيه . فهذا جزاء العالم الذي لا يعمل بعلمه ، وقبل أن أستطرد فيما أنا في صدده من بيان ضرورة قرن العمل بالعلم أريد أن أستدرك على نفسي فيما خرجت الحديث هذا آنفًا حين قلت : رواه مسلم من حديث أبي هريرة ، هذا وهمُ مني ، ينبغي أن يُسجل ، الصواب أن هذا الحديث أخرجه الشيخان أي البخاري ومسلم ، وليس من حديث أبي هريرة ، وإنما هو من حديث أسامة بن زيد - رضي الله عنه - بهذا الذي سمعتموه ، أما حديث أبي هريرة الذي وهمت في متنه وله متنُ آخر ، أي لفظ آخر له صلة بموضوع العالم ذلك أن العالم ليس يجب في حقه أن يعمل بعلمه فقط ، بل ويجب عليه أيضًا أن يكون مُخلصًا فيه لربه أن لا يبتغي بعلمه جزاءً من الناس ولا شكورا ، ولا شيئًا من حُطام الدنيا ، وإنما هو يحقق ما أمر الله به في مثل قوله تعالى : وما أُمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين ، مخلصين له الدين أي يتدينون ويتقربون إلى الله - عزَّ وجلّ - بفعل ما أمرهم به من الطاعات ، فإذا أتى المسلم سواءً كان عالمًا أو متعلمًا أو غير ذلك ، إذا أتى بعبادةٍ ، ولم يكن في ذلك مُخلصًا لله - عزَّ وجلّ - وإنما هو يُداهن في ذلك ، أو يرائي الناس ، فحينذاك لم ينفذ الأمر الإلهي : وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين هذا بالنسبة لعامة الناس ، فماذا نقول أو ماذا يُقال بالنسبة لخاصة الناس ألا وهم أهل العلم ؟ الذين يجب عليهم أن يكونوا قدوةً لسائر الناس في العلم ، الذين يجب عليهم أن يكونوا قدوةً لسائر الناس في العلم النافع والعمل الصالح . اسمعوا الآن ذاك الحديث الذي وهمت في متنه لأبي هريرة ومتنه هو ما يأتي ، قال أبو هريرة - رضي الله عنه - : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أول من تسعر بهم النار يوم القيامة ثلاثة : عالمٌ ومجاهدٌ وغني هؤلاء الثلاثة يفترض فيهم أن يكونوا من السابقين الأولين دخولاً في الجنة . فكيف كان مصيرهم هذا المصير الرهيب ؟ أنهم هم أول من تسعر أي تشعل بهم النار يوم القيامة ، اسمعوا السبب في تمام الحديث : قال عليه السلام : يؤتى بالعالم فيقال له أي فلان ماذا عملت فيما علمت ؟ فيقول علمته الناس في سبيلك ، فيقال له : كذبت ، وإنما علمت الناس ليقولوا فلانًا عالمًا وقد قيل ، أي ما علمت الناس في سبيل الله ومرضاته ، والله - عزَّ وجلّ - يعلم ما تكنه الصدور وما تخفيه الصدور ، يومئذٍ لا تخفى على الله خافية في الأرض ولا في السماء ، فإذا قال هذا العالم الذي يُسأل يوم القيامة ماذا عملت بعملك ؟ وقال مخادعًا علمته في سبيلك ، فيأتيه الجواب والعياذ بالله كذبت ، إنما ليشيدوا بذكرك ، ويشيعوا الناس باسمك وقد قيل أي هذا الذي رميت إليه وقصدت إليه بتعليم الناس قد قالوه ، فقالوا فلان ما شاء الله عالم ، وعندنا في سوريا يقولوا العامة مع الأسف فلان عالم مثل الصحن الصيني من أين رميته ؟ يجاوب ماذا يعنون بهذا الكلام المساكين ، وهذا لا يمكن أن يتحقق إن سألته بالتفسير يجيبك ، سألته بالحديث يجيبك ، سألته بالفقه يجيبك ، في الفقه الحنفي يقول كذا ، والمالكي كذا ، والشافعي كذا ، ... إلى آخره . مثل الصحن الصيني من أين ما رميته يجيبك ، هذا أمر مستحيل ، إنما العلم تخصص ، الشاهد أن هذا الرجل الأول من الثلاثة الذين هم أول من تسعر بهم النار يوم القيامة عالم ، ألقي به في النار ؛ لأنه لم يخلص لله - عزَّ وجلّ - في تعليمه الناس العلم الذي كان الله - عزَّ وجلّ - علمه إياه ، فيقال له كذبت خذوا به إلى النار .
فيلقى بالنار ، بينما ربنا - عزّ وجل - يقول في القرآن الكريم : يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات ، بينما هذا صار نزل في الدرك الأسفل من النار ، ثم يؤتى بالمجاهد فيقال له : ماذا فعلت بما أنعمت عليك من قوة ؟ يقول : يا ربي قاتلت في سبيلك . فيقال له : كذبت ، إنما قاتلت ليقول الناس فلان بطل ، فلان شجاع ، وقد قيل , خذوا به إلى النار . أُلحق بزميله في عدم الإخلاص كلُ منهما لربه - تبارك وتعالى - فأُلقي في النار ، ثم يؤتى بالرجل الثالث من الثلاثة ألا وهو الغني الذي كان يُنفق الأموال الطائلة ، الملايين المملينة كما يقولون اليوم يُقال له : فيما أنفقت ؟ يقول : في سبيلك يا رب ، فيقال له : كذبت ، إنما أنفقت ليقول الناس فلان كريم وقد قيل أي إنك حصلت في الدنيا ما رميت إليه ، كما حصل العالم ما رمى إليه ، الشهرة بالعلم ، كما حصل المجاهد ما رمى إليه الشهرة بالبطولة والشجاعة ، هؤلاء الثلاثة كان مصيرهم أول أهل النار إلقاءً في النار لأنهم لم يكونوا مخلصين في أعمالهم الصالحة في العلم والجهاد وإنفاق الأموال ، كانوا جميعًا في النار والعياذ بالله تعالى ، فالذي أردت من ذاك الحديث الذي فتح لي إيراد هذا الحديث الثاني وكلاهما متمم للآخر ، هو تذكير إخواننا أن لا يكون همهم العلم فقط ، وإلا كان وبالاً عليه ، إذا لم يقرن معه العمل ، فتعلموا لتعملوا ، وإلا عرفتم عاقبة من لم يعمل بعمله ، ثم إذا عملتم فأخلصوا لله - عزَّ وجلّ - حتى يكون عملكم مقبولاً عند الله - تبارك وتعالى -
وذلك قوله - عزَّ وجلّ - في القرآن الكريم : قل هذه سبيلي أدعوا إلى الله على بصيرةٍ أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين ، وما أنا من المشركين أي عقيدةً وعملاً ؛ لأن من الشرك أن تعمل العبادة لغير وجه الله - تبارك وتعالى - كما قال عزَّ وجلّ : فمن كان يرجوا لقاء ربه فليعمل عملاً صالحًا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا ، فمن كان يرجوا لقاء ربه فليعمل عملاً صالحًا ولا يشرك بعبادة ربه أحدًا قال علماء التفسير : " من كان يرجوا لقاء ربه حقًا يوم القيامة فليعمل عملاً صالحًا ، ولا يشرك بعبادة ربه أحدًا " قالوا : لا يكون العمل عملا صالحًا إلا إذا توفر فيه شرطان اثنان : الشرط الأول : أن يكون موافقًا للسنة وهو العمل الصالح ، أما إذا كان مخالفًا للسنة فلا يكون عملاً صالحًا , ثم إذ كان هذا العمل على السنة فلم يتوفر فيه الشرط الثاني وهو الإخلاص لله - تبارك وتعالى - حيث قال : ولا يشرك بعبادة ربه أحدا ، فإذا توفر هذان الشرطان كان العمل مقبولاً عند الله ، وإذا اختل أحدهما كان العمل مرفوضًا عند الله ، كان مضروبًا به وجه صاحبه إن عمل عملاً على السنة ولم يخلص فيه ، أو أخلص فيه ولم يكن عمله على السنة ، سواء كان الإخلال بهذا أو بذاك فعمله مرفوض ، وهذه نقطة مهمة جدًا ، أيضًا تضاف إلى ما ذكرناه آنفًا من وجوب تعلم العلم للعمل ومن ضرورة كون العمل خالصًا لوجه الله - تبارك وتعالى - فالشيء الثالث : أن يكون العمل موافقًا للسنة , فإن العمل مَهْما كان صاحبه مجدًا فيه ومجتهدًا فيه ومثابرًا عليه ، ثم كان على خلاف السنة فلا يفيده ذلك إلا بُعدًا عن الله - تبارك وتعالى - ذلك ما تدل عليه هذه الآية الكريمة في تفسير أهل التفسير والعلم بالتفسير فمن كان يرجوا لقاء ربه فليعمل عملاً صالحًا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا . العمل الصالح ما وافق السنة ، وإذا كان خالصًا لوجه الله - عزَّ وجلّ - فهو العمل المنجي لصاحبه يوم الله - تبارك وتعالى -.
لعلكم طرق سمعكم يومًا ما حديث العرباض بن سارية - رضي الله عنه - الذي له صلةٌ وثقى صلة عظمى في موضوع العمل أنه لا يكون صالحًا إذا كان مخالفًا للسنة ، قال العرباض بن سارية - رضي الله عنه - : وعظنا رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - موعظةً وجلت منها القلوب ، وذرفت منها العيون ، فقلنا : أوصنا يا رسول الله ؟ قال : أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإن وليَّ عليكم عبدٌ حبشي ، وإنه من يعش منكم فسيرى اختلافًا كثيرا وإنه من يعش منكم فسيرى اختلافًا كثيرا ، كأن سائلا يقول ولم يقل ، لكن الرسول أجابه لأنه بوحي من السماء الذي يعلم بما في الصدور ، إذا رأينا هذا الاختلاف الكثير فماذا نعمل يا رسول الله ؟ قال مباشرة : وإنه من يعش منكم فسيرى اختلافًا كثيرا وهذا ترونه اليوم عيانًا فسيرى اختلافًا كثيرا ، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي , عضوا عليها بالنواجذ ، وإياكم ومحدثات الأمور , فإن كل محدثةٍ بدعة وكل بدعةٍ ضلالة ولقد كان رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - يؤكد هذه الموعظة التي ختمها بقوله : فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي ، عضوا عليها بالنواجذ ، وإياكم ومحدثات الأمور ، فإن كل محدثةٍ بدعة ، وكل بدعةٍ ضلالة كان يؤكدها - عليه الصلاة والسلام - هذه الجملة الأخيرة في خطبه كلها ، وبخاصةٍ ما كان منها خطبة الجمعة ، حيث كان يقول عليه السلام في أول كل خطبة : إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله ؛ أما بعد :
فإن أصدق الحديث كتاب الله ، وخير الهُدى أو الهَدي هدي محمد - صلى الله عليه وآله وسلم - وشر الأمور محدثاتها ، وكل محدثةٍ بدعة ، وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار .
إذًا نستخلص مما سبق : يجب طلب العلم من أجل العمل ، ويجب أن يكون العمل خالصًا لوجه الله تبارك وتعالى ، ويجب أن يكون هذا العمل موافقًا للسنة ، فعليكم أن تتذكروا هذه الشروط لتكونوا من الناجحين المفلحين فيما تتقربون به إلى رب العالمين - تبارك وتعالى - والآن نفتح لكم باب الأسئلة لنجيبكم عليها بقدر ... ويفتح علينا .
فإن خير الهُدى هدى محمد - صلى الله عليه وآله وسلم - وشر الأمور محدثاتها وكل محدثةٍ بدعة ، وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار ؛ وبعد أيضًا :
... وطلب العلم المستقى من كتاب الله وسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم .. على إخواننا الحاضرين جميعًا - إن شاء الله - إن العلم بالنسبة للعمل هو كالوسيلة بالنسبة للغاية ، أو بالنسبة للسبب مع المسبب ، فإذا حصل الوسيلة ولم يصل إلى الغاية فقد يكون خسر تعبه في تحصيل الوسيلة التي لم يتوصل بها إلى الغاية ، أو في تحصيل السبب الذي لم يتوصل . - كلمة - . وأعتقد أن هذا الكلام ليس معمًا أو فلسفة ما هي ظاهرة ولا هي واضحة ، وإنما هو أمرُ جليٍ غير خفي ، مثاله مثلاً إنسان اشترى مسجلة ما ثم وضعها جانبًا ، المسجلة وسيلة والغاية منها هو استفادة العلم ، فحينما ألقاها جانبًا معنى ذلك أنه لم يستفد من هذه الوسيلة شيئًا ، والأمثلة كثيرة وكثيرة جدًا ، وكما قيل تكفيه الإشارة وغرضي أن أقول بأن العلم مع العمل يجري مجرى الوسيلة مع الغاية أي يجب على كل مسلم علم شيئًا من أحكام الشرع أن يعمل به وإلا كان علمهُ به ليس فقط لم يستفد منه شيئًا كما ضربنا آنفًا مثلاً بالنسبة للوسيلة مع الغاية بل قد خسر بعلمه هذا وكان خسرانه خسرانًا كبيرًا ؛ لأن الله - عزَّ وجلّ - أخذ العهد من كل من عمل علمًا ثم لم يعمل به ، كان وبالاً على صاحبه ، كما قيل وهذا القيل ليس قيلا يعني من باب التمريض وإنما هو قول مستقًا من الشريعة ، هذا القيل هو الذي يقول أول الناس عذابًا يوم القيامة عالم لم يعمل بعلمه وسند هذا الكلام قوله - عليه الصلاة والسلام - كما جاء في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : يؤتى بالعالم يوم القيامة فيلقى في النار ، فتندلق أقتاب بطنه ، ويدور في النار كما يدور الحمار بالرحى ، فيطيف به أهل النار ، فيقولون له يا فلان مالك ؟ ألست كنت تأمرنا بالمعروف وتنهانا عن المنكر ؟ فيقول : نعم ، كنت آمركم بالمعروف ولا آتيه ، وأنهاكم عن المنكر وآتيه . فهذا جزاء العالم الذي لا يعمل بعلمه ، وقبل أن أستطرد فيما أنا في صدده من بيان ضرورة قرن العمل بالعلم أريد أن أستدرك على نفسي فيما خرجت الحديث هذا آنفًا حين قلت : رواه مسلم من حديث أبي هريرة ، هذا وهمُ مني ، ينبغي أن يُسجل ، الصواب أن هذا الحديث أخرجه الشيخان أي البخاري ومسلم ، وليس من حديث أبي هريرة ، وإنما هو من حديث أسامة بن زيد - رضي الله عنه - بهذا الذي سمعتموه ، أما حديث أبي هريرة الذي وهمت في متنه وله متنُ آخر ، أي لفظ آخر له صلة بموضوع العالم ذلك أن العالم ليس يجب في حقه أن يعمل بعلمه فقط ، بل ويجب عليه أيضًا أن يكون مُخلصًا فيه لربه أن لا يبتغي بعلمه جزاءً من الناس ولا شكورا ، ولا شيئًا من حُطام الدنيا ، وإنما هو يحقق ما أمر الله به في مثل قوله تعالى : وما أُمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين ، مخلصين له الدين أي يتدينون ويتقربون إلى الله - عزَّ وجلّ - بفعل ما أمرهم به من الطاعات ، فإذا أتى المسلم سواءً كان عالمًا أو متعلمًا أو غير ذلك ، إذا أتى بعبادةٍ ، ولم يكن في ذلك مُخلصًا لله - عزَّ وجلّ - وإنما هو يُداهن في ذلك ، أو يرائي الناس ، فحينذاك لم ينفذ الأمر الإلهي : وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين هذا بالنسبة لعامة الناس ، فماذا نقول أو ماذا يُقال بالنسبة لخاصة الناس ألا وهم أهل العلم ؟ الذين يجب عليهم أن يكونوا قدوةً لسائر الناس في العلم ، الذين يجب عليهم أن يكونوا قدوةً لسائر الناس في العلم النافع والعمل الصالح . اسمعوا الآن ذاك الحديث الذي وهمت في متنه لأبي هريرة ومتنه هو ما يأتي ، قال أبو هريرة - رضي الله عنه - : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أول من تسعر بهم النار يوم القيامة ثلاثة : عالمٌ ومجاهدٌ وغني هؤلاء الثلاثة يفترض فيهم أن يكونوا من السابقين الأولين دخولاً في الجنة . فكيف كان مصيرهم هذا المصير الرهيب ؟ أنهم هم أول من تسعر أي تشعل بهم النار يوم القيامة ، اسمعوا السبب في تمام الحديث : قال عليه السلام : يؤتى بالعالم فيقال له أي فلان ماذا عملت فيما علمت ؟ فيقول علمته الناس في سبيلك ، فيقال له : كذبت ، وإنما علمت الناس ليقولوا فلانًا عالمًا وقد قيل ، أي ما علمت الناس في سبيل الله ومرضاته ، والله - عزَّ وجلّ - يعلم ما تكنه الصدور وما تخفيه الصدور ، يومئذٍ لا تخفى على الله خافية في الأرض ولا في السماء ، فإذا قال هذا العالم الذي يُسأل يوم القيامة ماذا عملت بعملك ؟ وقال مخادعًا علمته في سبيلك ، فيأتيه الجواب والعياذ بالله كذبت ، إنما ليشيدوا بذكرك ، ويشيعوا الناس باسمك وقد قيل أي هذا الذي رميت إليه وقصدت إليه بتعليم الناس قد قالوه ، فقالوا فلان ما شاء الله عالم ، وعندنا في سوريا يقولوا العامة مع الأسف فلان عالم مثل الصحن الصيني من أين رميته ؟ يجاوب ماذا يعنون بهذا الكلام المساكين ، وهذا لا يمكن أن يتحقق إن سألته بالتفسير يجيبك ، سألته بالحديث يجيبك ، سألته بالفقه يجيبك ، في الفقه الحنفي يقول كذا ، والمالكي كذا ، والشافعي كذا ، ... إلى آخره . مثل الصحن الصيني من أين ما رميته يجيبك ، هذا أمر مستحيل ، إنما العلم تخصص ، الشاهد أن هذا الرجل الأول من الثلاثة الذين هم أول من تسعر بهم النار يوم القيامة عالم ، ألقي به في النار ؛ لأنه لم يخلص لله - عزَّ وجلّ - في تعليمه الناس العلم الذي كان الله - عزَّ وجلّ - علمه إياه ، فيقال له كذبت خذوا به إلى النار .
فيلقى بالنار ، بينما ربنا - عزّ وجل - يقول في القرآن الكريم : يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات ، بينما هذا صار نزل في الدرك الأسفل من النار ، ثم يؤتى بالمجاهد فيقال له : ماذا فعلت بما أنعمت عليك من قوة ؟ يقول : يا ربي قاتلت في سبيلك . فيقال له : كذبت ، إنما قاتلت ليقول الناس فلان بطل ، فلان شجاع ، وقد قيل , خذوا به إلى النار . أُلحق بزميله في عدم الإخلاص كلُ منهما لربه - تبارك وتعالى - فأُلقي في النار ، ثم يؤتى بالرجل الثالث من الثلاثة ألا وهو الغني الذي كان يُنفق الأموال الطائلة ، الملايين المملينة كما يقولون اليوم يُقال له : فيما أنفقت ؟ يقول : في سبيلك يا رب ، فيقال له : كذبت ، إنما أنفقت ليقول الناس فلان كريم وقد قيل أي إنك حصلت في الدنيا ما رميت إليه ، كما حصل العالم ما رمى إليه ، الشهرة بالعلم ، كما حصل المجاهد ما رمى إليه الشهرة بالبطولة والشجاعة ، هؤلاء الثلاثة كان مصيرهم أول أهل النار إلقاءً في النار لأنهم لم يكونوا مخلصين في أعمالهم الصالحة في العلم والجهاد وإنفاق الأموال ، كانوا جميعًا في النار والعياذ بالله تعالى ، فالذي أردت من ذاك الحديث الذي فتح لي إيراد هذا الحديث الثاني وكلاهما متمم للآخر ، هو تذكير إخواننا أن لا يكون همهم العلم فقط ، وإلا كان وبالاً عليه ، إذا لم يقرن معه العمل ، فتعلموا لتعملوا ، وإلا عرفتم عاقبة من لم يعمل بعمله ، ثم إذا عملتم فأخلصوا لله - عزَّ وجلّ - حتى يكون عملكم مقبولاً عند الله - تبارك وتعالى -
وذلك قوله - عزَّ وجلّ - في القرآن الكريم : قل هذه سبيلي أدعوا إلى الله على بصيرةٍ أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين ، وما أنا من المشركين أي عقيدةً وعملاً ؛ لأن من الشرك أن تعمل العبادة لغير وجه الله - تبارك وتعالى - كما قال عزَّ وجلّ : فمن كان يرجوا لقاء ربه فليعمل عملاً صالحًا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا ، فمن كان يرجوا لقاء ربه فليعمل عملاً صالحًا ولا يشرك بعبادة ربه أحدًا قال علماء التفسير : " من كان يرجوا لقاء ربه حقًا يوم القيامة فليعمل عملاً صالحًا ، ولا يشرك بعبادة ربه أحدًا " قالوا : لا يكون العمل عملا صالحًا إلا إذا توفر فيه شرطان اثنان : الشرط الأول : أن يكون موافقًا للسنة وهو العمل الصالح ، أما إذا كان مخالفًا للسنة فلا يكون عملاً صالحًا , ثم إذ كان هذا العمل على السنة فلم يتوفر فيه الشرط الثاني وهو الإخلاص لله - تبارك وتعالى - حيث قال : ولا يشرك بعبادة ربه أحدا ، فإذا توفر هذان الشرطان كان العمل مقبولاً عند الله ، وإذا اختل أحدهما كان العمل مرفوضًا عند الله ، كان مضروبًا به وجه صاحبه إن عمل عملاً على السنة ولم يخلص فيه ، أو أخلص فيه ولم يكن عمله على السنة ، سواء كان الإخلال بهذا أو بذاك فعمله مرفوض ، وهذه نقطة مهمة جدًا ، أيضًا تضاف إلى ما ذكرناه آنفًا من وجوب تعلم العلم للعمل ومن ضرورة كون العمل خالصًا لوجه الله - تبارك وتعالى - فالشيء الثالث : أن يكون العمل موافقًا للسنة , فإن العمل مَهْما كان صاحبه مجدًا فيه ومجتهدًا فيه ومثابرًا عليه ، ثم كان على خلاف السنة فلا يفيده ذلك إلا بُعدًا عن الله - تبارك وتعالى - ذلك ما تدل عليه هذه الآية الكريمة في تفسير أهل التفسير والعلم بالتفسير فمن كان يرجوا لقاء ربه فليعمل عملاً صالحًا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا . العمل الصالح ما وافق السنة ، وإذا كان خالصًا لوجه الله - عزَّ وجلّ - فهو العمل المنجي لصاحبه يوم الله - تبارك وتعالى -.
لعلكم طرق سمعكم يومًا ما حديث العرباض بن سارية - رضي الله عنه - الذي له صلةٌ وثقى صلة عظمى في موضوع العمل أنه لا يكون صالحًا إذا كان مخالفًا للسنة ، قال العرباض بن سارية - رضي الله عنه - : وعظنا رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - موعظةً وجلت منها القلوب ، وذرفت منها العيون ، فقلنا : أوصنا يا رسول الله ؟ قال : أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإن وليَّ عليكم عبدٌ حبشي ، وإنه من يعش منكم فسيرى اختلافًا كثيرا وإنه من يعش منكم فسيرى اختلافًا كثيرا ، كأن سائلا يقول ولم يقل ، لكن الرسول أجابه لأنه بوحي من السماء الذي يعلم بما في الصدور ، إذا رأينا هذا الاختلاف الكثير فماذا نعمل يا رسول الله ؟ قال مباشرة : وإنه من يعش منكم فسيرى اختلافًا كثيرا وهذا ترونه اليوم عيانًا فسيرى اختلافًا كثيرا ، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي , عضوا عليها بالنواجذ ، وإياكم ومحدثات الأمور , فإن كل محدثةٍ بدعة وكل بدعةٍ ضلالة ولقد كان رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - يؤكد هذه الموعظة التي ختمها بقوله : فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي ، عضوا عليها بالنواجذ ، وإياكم ومحدثات الأمور ، فإن كل محدثةٍ بدعة ، وكل بدعةٍ ضلالة كان يؤكدها - عليه الصلاة والسلام - هذه الجملة الأخيرة في خطبه كلها ، وبخاصةٍ ما كان منها خطبة الجمعة ، حيث كان يقول عليه السلام في أول كل خطبة : إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله ؛ أما بعد :
فإن أصدق الحديث كتاب الله ، وخير الهُدى أو الهَدي هدي محمد - صلى الله عليه وآله وسلم - وشر الأمور محدثاتها ، وكل محدثةٍ بدعة ، وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار .
إذًا نستخلص مما سبق : يجب طلب العلم من أجل العمل ، ويجب أن يكون العمل خالصًا لوجه الله تبارك وتعالى ، ويجب أن يكون هذا العمل موافقًا للسنة ، فعليكم أن تتذكروا هذه الشروط لتكونوا من الناجحين المفلحين فيما تتقربون به إلى رب العالمين - تبارك وتعالى - والآن نفتح لكم باب الأسئلة لنجيبكم عليها بقدر ... ويفتح علينا .
الفتاوى المشابهة
- ما أهمية الإخلاص لله تعالى ؟ - الالباني
- كلام الشيخ على أهمية الإخلاص في طلب العلم . - الالباني
- بيان الشرط الأول وهو الإخلاص لله عزوجل في العمل . - الالباني
- بيان ما ورد في السنة من أحاديث تحذر من الشرك ف... - الالباني
- كلمة للشيخ رحمه الله فيها التنبيه على عناية ال... - الالباني
- بيان الشرط الأول وهو الإخلاص لله - عز وجل - في... - الالباني
- كلمة من الشيخ في بيان أن العمل الصالح لا ينفع... - الالباني
- الإخلاص في العمل . - الالباني
- تتمة : إخلاص العمل لله - عز وجل - . - الالباني
- كلمة مطولة من الشيخ في بيان شرطي قبول العمل ال... - الالباني
- موعظة من الشيخ في وجوب الإخلاص في طلب العلم ال... - الالباني