تم نسخ النصتم نسخ العنوان
تفسير قول الله تعالى : (( ولقد آتينا داوود م... - ابن عثيمينونبدأ الدرس الجديد الآن في قوله { وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُدَ مِنَّا فَضْلًا يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ } { آتينا } بمعنى أعطينا وهي تنصب مفع...
العالم
طريقة البحث
تفسير قول الله تعالى : (( ولقد آتينا داوود منا فضلا يا جبال أوبي معه والطير وألنا له الحديد ))
الشيخ محمد بن صالح العثيمين
ونبدأ الدرس الجديد الآن في قوله { وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُدَ مِنَّا فَضْلًا يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ } { آتينا } بمعنى أعطينا وهي تنصب مفعولين ليس أصلهما المبتدأ والخبر وكل فعل ينصب مفعولين ليس أصلهما مبتدأ وخبر يسمى من باب أعطى وكَسَى فهنا { آتَيْنَا دَاوُدَ مِنَّا فَضْلًا } { داود } المفعول الأول و{ فضلاً } المفعول الثاني ولا يمكن أن يكونا هذا مبتدأ وخبراً لو قلت { داود - فضل } يصلح ؟ ما يصلح طيب ويقال أتينا ولكنها يختلف معناها عن { آتينا } بل معنى { أتينا } جئنا قال الله تعالى { وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ }[الأعراف:52]وقال تعالى { أَتَى أَمْرُ اللَّهِ }[النحل:1]أي جاء أمر الله قال { وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُدَ مِنَّا فَضْلًا } داود هو أحد أنبياء بني إسرائيل وهو بعد موسى ولا قبله ؟ { أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ }[البقرة:246]وفي القصة أن داود كان منهم إذاً فهو بعد موسى وهو نبي من الأنبياء وقد أنكرت اليهود لعنة الله عليهم كونهم نبياً ووصفوه بأنه ملك وقد كذبوا في ذلك فإنه كان نبياً من أنبياء الله الذين يجب علينا أن نؤمن بهم ولا يتم إيماننا إلا بالإيمان بهم لأن أركان الإيمان كما نعلم الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله وهو أيضاً رسول لأن كل نبي ذكر في القرآن فهو رسول قال { وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُدَ مِنَّا فَضْلًا } { منا } فبدأ بالجهة قبل الفضل ليتبين عظم ذلك القدر لأن الشيء إذا نسب إلى جهة عظيمة كان عظيماً كما في قوله في الحديث الصحيح "واغفر لي مغفرة من عندك وارحمني من عندك" فأضافها إلى الله حتى يتبين ذلك عظمها { آتَيْنَا دَاوُدَ مِنَّا فَضْلًا } نبوة وكتاباً وهذا الذي فسر المؤلف الآية به من باب التمثيل لأن الله أعطاه النبوة والرسالة أيضاً وأعطاه الكتاب قال الله تعالى { وَآتَيْنَا دَاوُدَ زَبُورًا }[النساء:163]وهل أعطاه شيئاً آخر غير هذا ؟ نعم ولهذا نكر كلمة فضل جاءت منكرة لتشمل كل ما أعطيه من فضل سواء كان ذلك دينياً أو دنيوياً وكان داود عليه الصلاة والسلام من أحسن الصوت صوتاً وترنماً بالذكر حتى إن الله عز وجل أمر الجبال أمراً إما كونياً وإما شرعياً قال لها { يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ } أوب بمعنى رجع ومنها الأواب أي رجاع إلى الله ومنه آب يؤوب أوباً بمعنى رجع فـ{ أوبي معه } أي رجعي معه والترجيع معناه أن تردد الصوت الذي يقوله كمثلاً إذا قرأ سمعت كأن الجبال التي حوله كلها تقرأ بقراءته وهذا غير ما نسمعه من الصدأ الذي يحصل لكل إنسان لأن هذا الصدأ الذي يحصل لكل إنسان إذا كانت قد أحاطت به الجبال هذا أمر طبيعي لكن هذا الذي أوتيه داود فوق ذلك فكانت الجبال تردد معه وذلك لحسن صوته ونغماته حتى إن الجبال ترجع معه بأمر الله سبحانه وتعالى { والطير } الطير يكون بالنصب عطفاً على محل الجبال كيف ؟ { يا جبال } هذه منادى ولا لا ؟ مبني على الضم في محل نصب وإنما بني على الضم وهو نكرة لأنه مقصود والنكرة المقصودة بمعنى العلم فلهذا بنيت على الضم لو تيجوا لنا يا جماعة عشان يكون التفاتي سواء طيب { الطير } لو عطفت على اللفظ { يا جبال } لكانت مرفوعة مبنية على الضم لكنها عطفت على محل الجبال وهو النصب يعني وكذلك أمر الله الطير بأن ترجع معه فكانت الطيور في جو السماء تقف عند سماع قراءة داود عليه الصلاة والسلام وترجع معه وأنت إذا تصورت هذا الأمر وأن رجلاً يقرأ الزبور بذلك القراءة والنغمات الجميلة ثم الطيور من فوق تسبح والجبال لاشك أنه مشهد عظيم ورهيب كل شيء يقرأ بقراءة هذا الرجل بأمر من ؟ بأمر الله عز وجل وقوله { وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ } ألنا له الحديد فكان في يده كالعجين { َأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ } أي جعلناه ليناً بيده حتى إنه كالعجين في يد أحدنا وهل المراد أن المراد ألانه له بالوسائل التي تلين الحديد سخرت له وهيئت له أو أن الله ألان له الحديد بغير سبب معلوم ؟ يرى بعض الناس أنه الأول وأن المراد بقوله { وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ } أي يسرنا له الأسباب التي تلين له الحديد لأن تيسير الأسباب لاشك أنها من نعمة الله أرأيت لو أنك تريد أن تعكف سيخاً من الحديد وعندك نار ضعيفة تتعب في ذلك ولا لا ؟ لكن لو كان عندك نار قوية جداً كان في خلال دقائق قليلة يلين هذا الحديد كما تشاء فيرى بعض العلماء أن المراد من تليين الحديد لداود تيسير الأسباب التي يصعب بها لينه ولكن بعض أهل العلم يقول : " إن الله ألان له الحديد بغير سبب بل بقدرة الله عز وجل وجعل الله ذلك آية له كما جعل الله عصا موسى إذا نزلت في الأرض صارت حية وإذا رفعها صارت عصا في آن واحد في لحظة واحدة " فالله على كل شيء قدير والذي جعل الحديد صلباً قادر على أن يجعله ليناً وعندي أن هذا أقرب إلى المعنى أولاً : أن الله قال { وَأَلَنَّا لَهُ } فجعل التليين مضافاً إليه إشارة إلى أن لين هذا الحديد بمجرد القدرة نعم وكوننا نقول إن هذا بأسباب عادية لكنها يسرت له هذا خلاف ظاهر الآية ثم لو قلنا بهذا القول هل تكون هذه آية له ؟ لا لأن كل من تيسر له أسباب إلانة الحديد ألان الله له الحديد طيب ألان الله له الحديد حتى صار بيده كالعجين يقدر على أن يدوره على أن يجعله رقيقاً على أن يجعله غليظاً حسب ما يريد

Webiste