تم نسخ النصتم نسخ العنوان
قال الله تعالى : << ولقد فتنا الذين من قبلهم... - ابن عثيمين وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا  في إيمانِهم عِلْمَ مُشَاهَدَة  وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ [ا...
العالم
طريقة البحث
قال الله تعالى : << ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين >>
الشيخ محمد بن صالح العثيمين
وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا في إيمانِهم عِلْمَ مُشَاهَدَة وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ [العنكبوت:3] فيهِم وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فتَنَّا بمعنى اختبرنا الذين مِن قبلهم وقد أخبرَ النبي عليه الصلاة والسلام أنَّ مِن فتنة مَن قبلنا أنَّ الرجل يُمشَط بأمشَاط الحدِيد ما بين عظْمِه وجِلْدِه ومع ذلك فإنه يصبِر ويحتَسِب يعني يُؤتى بأمشَاط الحديد ويقطع به اللحم، نعم يُمشَط ومع ذلك يصْبِر على دينِه ولا يرتَدّ، فَإذَا كان هَذا في مَن قبلَنا فإنَّ هذه الأمة أولى بالصبرِ على هذا الأمر العظيم لاسِيَّمَا إذا كان المقَام مقامَ جِهَاد مثل ما وقَع لِلإِمام أحمد رحمه الله في أيام المحنة فإنه كان يُضرَب بالسياط ويُجَرّ بالبغال ليقول إنَّ القرآن مخلوق ومع ذلك أبى أن يقول إنَّ القرآن مخلوق، لأنه لو قال إنَّ القرآن مخلوق مو بس المسألة تنطلي عليه هو لكنَّه يترتَّب على ذلك فسادُ الأمة كلها ولهذا مَن أُكرِهَ على الكفر وكان كفرُه يستلزِمُ كفرَ غيرِه كفساد الملة فإنَّه لا يجوز له أن يوافِق ولو أُكرِه لأنَّ المقام في حقِّه إيش المقام؟ مقَام جِهَاد والإنسان يجب أن يجاهِدَ في سبيل الله ولو تعرَّض للقتل أما إذا كانت المسْأَلة إِكراهًا شَخْصيًّا على الكفر فإنَّ هذا يجُوز بشَرْط أن يكُون قلبُه مطمئِنًّا بالإيمان، فعلى هذا: هذا رجل مثلًا قدوة وإمام في الناس أُكرِه على أن يفعَل معصِية أو أن يفعَل الكُفْر فعلُه لها ليس مُجرَّد أن يتخلص مِن الأذِيَّة ولكن يقتدى به أُمَّةٌ مِن الناس فهذا نقول له: لا تفعل لا توافِق ولو أُكرهْت ولو ضُربْت لأنَّ المقَام مقَام جِهَاد في سبِيل الله، وإنسَان آخَر لا يُؤْبَه به ولا يَنظُر الناس إليه ولا يقتدُون به أكرِه على أن يفعل شيئا ًمِن الكفر أو ما دونه فله أن يفعَل بشرط أن يكون قلبُه مطمئنًا بالإيمان مثل ما قال الله سبحانه وتعالى: فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا مَن صدقوا؟ الصدق مُطابقة القول للواقع أو مطابقة الفعل للواقع فالذين صدقوا في قولِهم إنَّهم مؤمِنُون، فمَن كان صادقًا في إيمانه فإنَّه يَسلَم بذلك، ومن كان كاذبًا فإنَّه والعياذ بالله ينخدع بهذه الفتنة وينقلِبُ على وجهِه فيخسَرُ الدنيا والآخرة، وقول المؤلف: علمَ مُشاهَدَة يشِير إلى أنَّ قوله تعالى: فليعلمن اللهُ فإنَّ قولَه: ليعلمنَّ الله مستقبل بدليل دُخُولِ نون التوكيد عليه وبدليل أنَّه جملة قَسَمِيَّة، والجملة القسمية تكون في المستقبَل، فهو فعل مضارع واقِعٌ في جملة قسمية مُؤَّكد بالنون فيكون للمستَقْبَل، واللهُ تبارك وتعالى يعلَمُ ذلك قبل أن تحصُل الفتنة أليس هكذا؟ فكيف الجواب عن قوله: فليعلمن الله الدالّ على أن العلم لا يكون إلا بعد الفِتنة؟ المؤلف قال: " علم مشاهدة " وذلك لأنَّ علمَ الله تعالى بالأشياء ينقسِم إلى قسمَيْن: علمٌ بأنها ستقَع وعلمٌ بأنها وقعَت، فالأول: علم لِمَا لم يكُن، والثاني علمٌ لما كان، وهذا هو الذي يُنَزَّل عليه مثل هذه الآيات مثل: وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ [محمد:31] والمراد علْم مشاهَدة، لأن العلم بمن سيكون مجاهدًا فهذا سابق ولكنه علمٌ بأنه سيأتي، فمتعلق العلم الآن إمَّا مستقْبَل يعلمه الله بأنه سيكون وإمَّا واقع عَلِمَ الله بأنه قد كان، هذا جواب والجواب الثاني: أنَّ العلم ينقسم إلى قسمين علمٌ يترتَب عليه الجزاء وعلمٌ لا يترتَّب عليه الجزاء فعلمُ الله في الأزل قبل وقوع الشيء علمٌ لا يترتب عليه الجزاء، وعلم الله تعالى بعد الوقُوع هو علمٌ يترتَّب عليه الجزاء فيكون العلم الذي يجعلُه الله تعالى مرتبًا على الوقوع المراد به علم المجازاة، إن .. فخيرا أم فشَرّ فهذان الجوابان عن مثل هذه الآية، ولا يقال إنَّ الله لا يعلَمُ الشيء إلا بعدَ وقوعِه كما قال ذلك غُلاةُ القدَرية فَإِنَّ غلَاة القدرية يقولون: إنَّ الله ما يعلم بالشيء إلا بعد وقوعِه. ويستِدُّلون بهذا المتشابِه مِن القرآن، ولكنَّنا نقول: هؤلاءِ في قلوبِهم زيْغ لأنهم اتبعوا ما تشابَه منه، ولو رجعوا إلى قول الله تعالى: أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ [الحج:70] لَتَبَيَّن لهم أنَّ الله عالمٌ بما سيكُون قبل أن يكون، وقوله: وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ [العنكبوت:3] الكاذبين في إيش؟ في قولهم إنهم مؤمنون، فالله تعالى إذا فتَن الإنسَان الخلق علم مَن كَان صَادقًا في قولِه ومَن كان كاذبًا، وفي هذا التحذير تحذيرُ المرء عند وُقُوع الفتن أَن يَرْتَدَّ عن إيمانِه فيكُون بذلك كاذبًا، نعم؟

Webiste