تم نسخ النصتم نسخ العنوان
تتمة فوائد حديث:( أن رسول الله صلى الله عليه... - ابن عثيمينالشيخ : من فوائد الحديث : أن اختلاف النوع لا يؤثر أيضًا في منع الربا اختلاف النوع ، وأظنكم تعرفون الفرق بين النوع والجنس ؟الطالب : نعم .الشيخ : التمر كل...
العالم
طريقة البحث
تتمة فوائد حديث:( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استعمل رجلا ً على خيبر , فجاءه بتمر جنيبٍ ... ).
الشيخ محمد بن صالح العثيمين
الشيخ : من فوائد الحديث :
أن اختلاف النوع لا يؤثر أيضًا في منع الربا اختلاف النوع ، وأظنكم تعرفون الفرق بين النوع والجنس ؟
الطالب : نعم .

الشيخ : التمر كله جنس لكنه أنواع : سكري مثلا ، وشقراء ، أم الحمام ، أنواع كثيرة ، لكن اختلاف النوع لا يؤثر .
وعلى هذا فلا يجوز أن أبيع صاعًا من السكري بصاعين من الشقر ، كذا ؟ وإن كان النوع مختلفا ، بدليل أن الجمع تمر مخلط ، مختلف الأنواع ، ومع ذلك منع الرسول صلى الله عليه وسلم بيعه متفاضلا بالجنيب الذي لم يخلط معه شيء ، فدل هذا على أن اختلاف النوع لا يؤثر في منع الربا .
ومن فوائد الحديث : أنه لا يجوز إمضاء العقد المشتمل على محرم ، بل الواجب أن يعاد هذا العقد وأن يفسخ ، لقول الرسول عليه الصلاة والسلام في الرواية الأخرى : ردوه ، وهذا يدل على بطلان العقد وإن كان الإنسان جاهلا .
فإن قال قائل : أليس الله تعالى قد قال في كتابه : ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ؟
فالجواب : بلى ، قال ذلك ، ونحن لا نقول : إننا نؤاخذك بخطئك أو نسيانك بل أنت معذور وليس عليك إثم ، لكن إمضاء العقد الذي أبطله الشرع بعد أن تعلم بأنه باطل لا بد أن تبطله ، لو أنك تعمدت عن علم وذكر لكنت آثما مع وجوب الرد ، أما الآن فلست بآثم لكن يجب الرد .
طيب ومن فوائد الحديث : أنه ينبغي للإنسان المفتي إذا ذكر المنع أن يذكر للناس باب الحل ، حتى إذا أُغلق الباب من جهة انفتح لهم الباب من جهة أخرى ، وجه ذلك : أن الرسول صلوات الله وسلامه عليه أرشده إلى هذا لما قال : هذا ممنوع ما خلاه حزين لا يدري ماذا يصنع ، بل أرشده فقال : بع الجمع بالدراهم ثم اشتر بالدراهم جنيبًا ، ثم اشتر بالدراهم جنيبًا ، وهكذا ينبغي للمفتي وللعالم ولكل من يتكلم في أمر الشرع : إذا ذكر للناس الباب الممنوع أن يذكر لهم الباب الجائز حتى يكونوا على بصيرة وحتى تمشي أحوالهم ، لأن الناس لا بد أن يتعاقدوا ويتعاملوا .
ومن هذا لو أن الإنسان ذكر للناس بدعة يتعبدون لله بها ، وقال لهم : هذه بدعة مثلا ، ينبغي أن يفتح لهم باب سنة ، فمثلا يقول : يغني عنها كذا ، إذا قال : هذه بدعة قال : يغني عنها كذا وكذا .
مثلا إذا قال : بدعة المولد -وما دمنا الآن في شهر ربيع الأول والليلة الخامسة عشرة فإننا قريبوا عهد بمن يحتلفون بالليلة الثانية عشرة من هذا الشهر بما يقولونه من صلوات على النبي صلى الله عليه وسلم- إذا قلنا لهم : إن هذا بدعة وليس بسنة لا عن الرسول ولا عن الصحابة ولا عن التابعين ولا عن أئمة المسلمين ، نقول : بدل من هذا الذي تدَّعون أن فيه ذكراً للرسول عليه الصلاة والسلام إما أن نقول لكم : إن ذكر الرسول عليه الصلاة والسلام فرض كفاية على المسلمين كل يوم خمس مرات عند حلول الصلوات ، في إيش ؟
الطالب : الأذان .

الشيخ : في الأذان ، أشهد أن محمدا رسول الله على رؤوس الأشهاد ، وإن ذكر الرسول عليه الصلاة والسلام في كل عبادة ، كل عبادة فالإنسان الفطين الكيس يذكر النبي عليه الصلاة والسلام ، ليس يذكره باسمه ولكن يذكره بالاتباع ، كل عبادة لا بد فيها من الإخلاص لله والمتابعة للرسول صلى الله عليه وسلم ، وأنت حين تستحضر المتابعة سيكون في قلبك ذكر للرسول عليه الصلاة والسلام .
ثم في الصلوات الخمس : السلام عليك أيها النبي فرض ، إما أن تكون فرضا مرتين في الصلاة أو مرة واحدة .
فإذا ذكرنا لهم هذه البدعة قلنا لهم : عندكم سنة كثيرة ، إيش تقولون في هذا ؟ عن هذه البدعة ؟
فالمهم أن الإنسان الذي ينبغي له ، الذي يتصدى للناس بالإفتاء أو غيره إذا ذكر لهم الشيء الممنوع فليذكر لهم الشيء الذي يحل محله .
طيب ، وهذا كما أنه مما وجه إليه الرسول صلوات الله وسلامه عليه فإنه مما وجه إليه الخالق عز وجل فقال الله تعالى : يا أيها الذين آمنوا لا تقولوا راعنا وقولوا انظرنا : لما نهى عن هذه اللفظة راعنا ، فتح لهم لفظا آخر فقال : وقولوا انظرنا : حتى يستغنوا بما أباح الله عما حرم الله .
ومن ذلك قول لوط عليه الصلاة والسلام لقومه : أتأتوان الذكران من العالمين ويش بعدها ؟ وتذرون ما خلق لكم ربكم من أزواجكم : هؤلاء الأزواج مخلوقون لكم تدعونهم وتذهبون إلى الشيء المحرم .
فالحاصل : أن هذه من الأشياء التي وجه الله إليها في كتابه ، ووجهت إليها المرسل : أنك إذا سددت بابا على الناس فافتح لهم أبواب الحل .
ومن فوائد هذا الحديث : أن بعض العلماء استدل به على جواز العينة ، أو على جواز الحيلة كما يقولون : بع التمر بالدراهم : إذا بعته على زيد بالدراهم واشتريت به بالدراهم تمرا طيبا واشتريت به تمرا طيبا ، فيقولون : إن هذا يدل على جواز التحيل على الربا ، جواز التحيل على الربا ، كيف ؟!
لأنك بدلا من أن تقول : خذ هذا التمر الرديء صاعين وأعطنا صاعا تقول : خذ هذا التمر الرديء بعشرة ريالات ، وأعطني صاعا بعشرة ريالات ، وهذه حيلة ، حيلة : يعني تمر بتمر دخلت بينهما دراهم غير مقبوضة ، ولكن هذا الاستدلال ليس بصحيح ، لأن قول الرسول صلى الله عليه وسلم : بع الجمع بالدراهم واشتر بالدراهم جنيباً مطلق ، ما قال : اشتر ممن تبيع عليه ، ولا اشتر من غيره ، فهو مطلق ، والمطلق يقيد بما دلت عليه السنة من طريق آخر وهو : تحريم الِحيل ، فإن السنة دلت على تحريم الحيل ، كما في قوله عليه الصلاة والسلام : قاتل الله اليهود ، إن الله لما حرم عليهم شحومها جملوه -يعني أذابوه- ثم باعوه فأكلوا ثمنه :
فدعا عليهم لكونهم تحيلوا ، لما حُرمت عليهم الشحوم قالوا : لا نأكل الشحوم نذوبها ثم نبيعها ثم نأخذ الدراهم .
وقال عليه الصلاة والسلام فيما رواه الإمام أحمد في * المسند * قال : لا ترتكبوا ما ارتكبت اليهود فتستحلوا محارم الله بأدنى الحيل .
ومن المعلوم أن الذي يحرم صاعاً بصاعين من التمر تأبى حكمته أن يحل لك أن تقول : بعتك هذين الصاعين بعشرة دراهم فأعطني بها صاعا من التمر الطيب ، هذا تلاعب ، فليس في الحديث دليل على ما ذهبوا إليه لأنه مطلق ، والمطلق يجب أن يقيد بما دلت عليه النصوص من تحريم الحيل .
أظننا لا نكمل فوائد الحديث الذي مضى ، وهنا تنبيه قبل ، ذكرت أمس في حديث : لا ترتكبوا ما ارتكبت اليهود فتستحلوا محارم الله بأدنى الحيل أنه رواه أحمد ، وهذا وهم مني ، لكن ذكره شيخ الإسلام في كتاب * إبطال التحليل * وقال : " إن إسناده جيد " فليتنبه لذلك .
طيب نأخذ الفوائد :
من فوائد الحديث : جواز اختيار الأجود من المأكولات وأنه لا ينافي الزهد ، من أين يؤخذ ؟ مِن أن النبي صلى الله عليه وسلم أقرَّ الرجل على اختيار التمر الجيد ليطعم النبي صلى الله عليه وسلم ، ولم يقل : لا ، فاختيار الأجود من الأنواع لا شك أنه جائز لهذا الحديث ، ولم يناف الزهد ، لأن الزهد حقيقته : " ترك ما لا ينفع في الآخرة " ، هذا الزهد ، والورع : " ترك ما يضر في الآخرة " ، فالزهد أشمل من الورع لأن الزاهد يترك كل شيء لا ينفعه في الآخرة .
فإن قال قائل : إذا قلنا : إن اختيار الأجود من المأكولات لا ينافي الزهد ، فهل يمكن أن نحوله إلى زهد ؟
فالجواب : نعم ، إذا قصد الإنسان التعبد بهذا المأكول الطيب لمنة الله به عليه ، وليعرف منة الله بذلك ، صار عبادة فصار نافعا في الآخرة .
طيب ومن فوائد هذا الحديث : جريان الربا في الذهب والفضة إذا خصصنا لفظ الميزان بهما ، أو في كل موزون إذا قلنا بالعموم ، وأنه لا يجوز التفاضل .
ومن فوائد الحديث : الرد على الذين قالوا بجواز الربا إذا لم يشتمل على ظلم ، حيث عللوا تحريم الربا بأنه ظلم وقالوا : إذا انتفت العلة انتفى الحكم ، وبنوا على هذا جواز الربا للاستثمار لا للاستغلال ، من أين يؤخذ ؟
مِن أن هذه المعاملة ما فيها ربا ما فيها ظلم ، أُخذ منه صاع جيد ورد عليه صاعان رديئان .
وكذلك باذل الزيادة لم يُظلم ، لأنه يرى أن أخذ الصاع الطيب بالصاعين كسب له وليس فيه ظلم عليه ، فدل هذا على أن الربا ممنوع سواء وجدت العلة التي من أجلها ثبت الحكم أم لم توجد .
وهذا الحديث لا شك أنه يدمغ هؤلاء الذين قالوا بالجواز إذا كان الربا من أجل الاستثمار وتنمبة الاقتصاد كما زعموا .
فنقول : هذا الحديث ما فيه ظلم ، بل فيه اختيار وإرادة .
طيب ومن فوائد الحديث أيضًا : أن الله سبحانه وتعالى إذا حرم على عباده شيئا فتح لهم بابا للحل .
بل إننا نقول : إن أبواب الحل أكثر من أبواب المنع ، أخذًا من قوله سبحانه وتعالى في الحديث القدسي فيما كتبه عنده : إن رحمتي سبقت غضبي : فالغضب يترتب عليه المنع ، كما حرم الله على الذين هادوا بسبب ظلمهم : فبظلم من الذين هادوا حرَّمنا عليهم طيبات أحلت لهم ، والرحمة سبب السعة والحل ، وباب المباحات في المعاملات أكثر من باب المحرمات ، نعم .

Webiste