تم نسخ النصتم نسخ العنوان
فوائد قوله تعالى : (( ذلكم بأنه إذا دعي الله... - ابن عثيمين ذلكم بأنه ...  إلخ، في هذه الآية فوائد أولا: إثبات الأسباب لقوله:  ذلكم بأنه  فالباء للسببية وقد مر علينا كثيرا أن أهل السنة والجماعة يثبتون الأسباب لل...
العالم
طريقة البحث
فوائد قوله تعالى : (( ذلكم بأنه إذا دعي الله وحده كفرتم وإن يشرك به تؤمنوا فالحكم لله ... )) .
الشيخ محمد بن صالح العثيمين
ذلكم بأنه ... إلخ، في هذه الآية فوائد أولا: إثبات الأسباب لقوله: ذلكم بأنه فالباء للسببية وقد مر علينا كثيرا أن أهل السنة والجماعة يثبتون الأسباب للمسببات، ولكن لا على أنها فاعلة بنفسها بل بما أودع الله فيها من القوى المؤثرة ... تؤخذ من قوله: ذلك بأنه لأن الباء للسببية.
ومن فوائد الآية الكريمة: بيان ما عليه هؤلاء الكفار من كونهم إذا دعي الله وحده كفروا وإذا أشرك به أقروا هذا الشرك لقوله : بأنه إذا دعي الله وحده كفرتم وإن يشرك به تؤمنوا .
ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن الحكم لله لقوله تعالى : فالحكم لله وليس لغيره.
وحكم الله تعالى ينقسم إلى قسمين: كوني وشرعي، فالكوني: ما قضى به على عباده كونا وتقديرا والشرعي: ما قضى به على عباده شرعا وتنظيما، والحكمان موجودان في القرآن جميعا، فمن الحكم القدري قوله تبارك وتعالى : فلن أبرح الأرض حتى يأذن لي أبي أو يحكم الله لي ومن الحكم الشرعي قوله تعالى : ذلكم حكم الله يحكم بينكم والله عليم حكيم والفرق بينهما أن الحكم الشرعي يرضاه الله عز وجل، والحكم الكوني يتعلق فيما يرضاه وفيما لا يرضاه، والفرق الثاني أن الحكم الشرعي قد يقع من المحكوم عليه وقد لا يقع، وأما الحكم الكوني فإنه لابد أن يقع، فإذا حكم الله على شخص بموت أو مرض أو فقر أو عاهة أو غير ذلك وقع ولا بد، إذا حكم الله على شخص بأن يؤمن ويعمل صالحا فقد يقع وقد لا يقع.
وقوله: فالحكم هنا يشمل الأمرين جميعا، يستفاد من هذا أنه لا يجوز الحكم بالقوانين المخالفة للشريعة لقوله: فالحكم لله وهذه الجملة تفيد الحصر أي الحكم لله لا لغيره، والحكم للقوانين المخالفة للشريعة قد يكون كفرا وقد يكون ظلما وقد يكون فسقا، كما ذكره الله عز وجل على هذه الوجوه الثلاثة في سورة المائدة وهي من آخر ما نزل، فإن وضع الحكم القانوني شرعا نافذا فهذا كفر لأنه يقتضي رفع الحكم الشرعي وإحلال حكم آخر محله، وهذا كفر بما أنزل الله محبط للعمل، لأنه لا يمكن أن يرفع الحكم الشرعي إلا بعد كراهته إياه، وقد قال الله تعالى : ذلك بأنهم كرهوا ما أنزل الله فأحبط أعمالهم وعلى هذا فالذين يحكمون أممهم بالقوانين المخالفة للشريعة يعتبرون كفارا يجب عليهم أن يتوبوا إلى الله وأن يحكموا بشريعة الله وإلا ماتوا كفارا والعياذ بالله، ونحن لا نحكم بهذا الشيء لكل واحد بعينه، إذ قد يكون بعضهم ملبسا عليه أو مغررا به أو تكلم عنده من يثق به فأضله، قد يكون هذا الذي وضع القانون غره من يقول إن الحكم الشرعي إنما يكون في ما بين الإنسان وبين ربه في العبادات والأحوال الشخصية والمواريث وأما مسائل الدنيا فهي لأهل الدنيا، ويشبه بقوله صلى الله عليه وسلم : أنتم أعلم بأمور دنياكم فيأتي هذا الحاكم المسكين الذي لا يعرف عن الأمر شيئا والذي خدع بمظاهر الدنيا وزخارفها فيظن أن هذا هو الحق، فيضع القانون المخالف للشرع، فمثل هذا لا نحكم بكفره لأنه مغرر به مؤول، لكن إذا بين له ثم أصر حكم بكفره.
أما الثاني: الحكم بغير ما أنزل الله الذي يكون ظلما فهو الحامل عليه حب الاعتداء على الغير لا كراهة الشرع ولا الحكم بغير ما أنزل الله، لكن لكراهيته للغير حكم على الغير بغير ما أنزل الله ظلما وعدوانا، فهذا له حكم الظلمة وليس له حكم الكافرين، لأنه ما كفر، يقول أعرف ما جاء به الشرع هو الحق، لكن أريد أن أنتقم من هذا الرجل وأعتدي عليه فيكون هذا له حكم الظالم: ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون .
أما القسم الثالث: فهو الذي حكم بغير ما أنزل الله لهوى في نفسه لا كراهة للحق ولا استبدالا له بغيره، لكن يريد شيئا في نفسه فحكم بغير ما أنزل الله، مثل أن يكون يهوى أن تكون له هذه الأرض أو هذه السيارة أو ما أشبه ذلك فيحكم بها لغرض، ليس قصده ظلم المحكوم عليه ولكن قصده إتباع الهوى، فيحكم فيكون بهذا من الفاسقين.
ومن فوائد الآية الكريمة: أن الحكم لله عز وجل في الدنيا والآخرة.
ولهذا قسم بعض العلماء الحكم إلى ثلاثة أقسام: كوني وشرعي وجزائي، الحكم الجزائي ما يكون في الآخرة ولكن الصحيح أن الحكم الجزائي لا يخرج عن كونه حكما كونيا لأنه فعل الله وحينئذ لا حاجة إلى كثرة التقاسيم، لأنه كلما أمكن اختصار التقسيم كان أولى، ولهذا والله أعلم كان الرسول صلى الله عليه وسلم يأتي أحيانا ويقول : ثلاثة لا يكلمهم الله ولا ينظر إليه يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم مع أن هناك آخرين لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم، لكن كون الشيء يجزئ وتقلل أقسامه يكون أقرب إلى الفهم، ولهذا يفرق بين أن تعطي الماء لشخص عطشان دفعة واحدة أو أن تعطيه إياه على دفعات، الثاني أهنأ وأبرئ وامرئ كما جاء في الحديث أنه ينبغي للإنسان في شرابه أن يتنفس ثلاث مرات، الكأس مثلا إذا كنت عطشان لا تشربه جميعا تنفس فيه ثلاث مرات، اشرب ثم أبن الكأس عن فمك ثم رده ثم أبنه ثم رده حتى يكون ذلك أهنأ وامرئ وأبرئ .

Webiste