قال ثم إنه أتى الأقرع في صورته ، فقال له مثل ما قال لهذا ، ورد عليه مثل ما رد عليه هذا . فقال : إن كنت كاذباً فصيرك الله إلى ما كنت ، قال : ثم إنه أتى الأعمى في صورته ، فقال : رجل مسكين وابن سبيل . قد انقطعت بي الحبال في سفري فلا بلاغ لي اليوم إلا بالله ثم بك ، أسألك بالذي رد عليك بصرك وأعطاك المال شاة أتبلغ بها في سفري . فقال : قد كنت أعمى فرد الله إلي بصري ، فخذ ما شئت ، ودع ما شئت ، فوالله لا أجهدك اليوم بشيء أخذته لله عز وجل . فقال : أمسك مالك ، فإنما ابتليتم ، فقد رضي الله عنك ، وسخط على صاحبيك ) أخرجاه .
الشيخ محمد بن صالح العثيمين
الشيخ : ثم قال : وأتى الأقرع في صورته فقال له مثل ما قال لهذا ، أتى الفاعل يعود على الملك في صورته أي في صورة أيش ؟ في صورة الأقرع ، وفي الأول في الأبرص قال في صورته وهيئته ، وهنا قال في صورته فقط ، فالظاهر والله أعلم أن هذا من تصرف الرواة وإلا فالغالب أن الصورة قريبة من الهيئة لكن تقدم أن الصورة في البدن والهيئة في المظهر ، في صورته فقال له مثل ما قال لهذا ، المشار إليه من ؟ الأبرص ، فرد عليه أي الأقرع مثل ما رد عليه هذا أي الأبرص ، فصار كلا الرجلين والعياذ بالله غير شكور لنعمة الله تعالى ولا معترف بها ولا راحم لهذا المسكين الذي انقطع به السفر ، قال : إن كنت كاذبا فصيرك الله إلى ما كنت ، إن كنت كاذبا في ماذا ؟ فيما تقول من أنك ورثت هذا المال كابرا عن كابر فصيرك الله أي ردك إلى ما كنت عليه من أين ؟ من أي شيء ؟ من القرع الذي يقذرك الناس به ، قال وأتى الأعمى في صورته فأتاه على أي كيفية ؟ أعمى فقال : رجل مسكين وابن سبيل قد انقطعت بي الحبال في سفري ، مسكين أي فقير ، ابن سبيل مسافر ، انقطعت بي الحبال الأسباب نعم في سفري ، وقد تقدم لنا الفرق بين المسكين والفقير وقلنا إنهما إذا انفرد أحدهما عن الآخر أيش ؟ فمعناهما واحد ، وإن اجتمعا صار لكل واحد منهما معنى غير معنى الآخر ، ولهذا يقال إذا اجتمعا افترقا وإذا افترقا اجتمعا
وابن السبيل تقدم لنا أنه المسافر وسمي ابن سبيل لملازمته للطريق ومنه سمي ابن الماء بطير الماء فكل شيء يلازم شيئا فهو فإنه يضاف إليه بلفظ البنوة ، يقول : فلا بلاغ لي اليوم إلا بالله ثم بك ، ما معنى بلاغ ؟ وصول يعني فلا أصل إلى أهلي وإلى حاجتي وإلى بغيتي إلا بالله ثم بك ، أسألك بالذي رد عليك بصرك شاة أتبلغ بها في سفري ، لم يقل اسألك بالله لماذا ؟ تذكيرا له بنعمة الله عليه ، بالذي رد عليك بصرك ، شاة أتبلغ بها في سفري ، فقال الرجل الأعمى : قد كنت أعمى فرد الله إلي بصري ، اعترف بالنعمة والاعتراف بالنعمة أحد أركان الشكر ، والركن الثاني يا رشاد ؟
الطالب : الشكر ...
الشيخ : نعم ، العمل بالجوارح بطاعة منه ، والركن الثالث يا عبد الرحمن ؟ الاعتراف بالقلب بأنها من الله ، وعلى هذا قول الشاعر :
" أفادتكم النعماء مني ثلاثة *** يدي ولساني والضمير المحجبا "
هذا الرجل اعترف ، قد كنت أعمى فرد الله إلي بصري وهذا من باب التحدث والاعتراف بنعمة الله سبحانه وتعالى ، فخذ ما شئت ودع ما شئت ، ما شاء الله الرجل يقول شاة واحدة المطلوب شاة ويتبلغ بها في سفره والرجل هذا قال خذ ما شئت ودع ما شئت ، شاة أو أكثر ؟ نعم إن شئت أن تأخذ أكثر فلا حرج ، فقال له ...، قال فوالله لا أجهدك اليوم بشيء أخذته لله ، فوالله لا أجهدك معنى لا أجهدك أي لا أبلغ الجهد منك أي المشقة ، الجهد بالفتح المشقة والمعنى لا أشق عليك بمنع ولا منة بمنع ولا منة ، لأن المسؤول إما أن يمنع والمنع شاق على السائل وإما أن يعطي ولكن مع المنة والمنة أيضا شاقة على السائل، على المعطى ولهذا جعلها الله تعالى مبطلة للصدقة يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى إذن ما معنى لا أجهدك ؟ أي لا أبلغ الجهد منك بماذا ؟ بمنع ولا منة خذ ما شئت بدون منة خذ ما تريد فأنا لا أمنعك ولا أمن عليك بما تأخذ ، وهذا من هذا الرجل الأعمى ظاهر جدا في شكر نعمة الله ظهر عليه الاعتراف باللسان قد كنت أعمى فرد الله إلي بصري ، وهذا الاعتراف باللسان مطابق لما في القلب فيكون دالا على الشكر بالقلب بالتضمن أو لا ؟ طيب وقوله خذ ما شئت ودع ما شئت هذا من باب الشكر بالجوارح من باب الشكر بالجوارح فيكون هذا الرجل الأعمى قد أتم أركان الشكر ، اعتراف بالقلب وباللسان وبالجوارح ، وقوله لا أجهدك اليوم بشيء أخذته لله ، لله اللام هنا للاختصاص المعنى لأجل الله عز وجل وهذا ظاهر في إخلاصه وأنه لم يمنعه إلا إخلاصا لله سبحانه وتعالى فكل ما تأخذه لله فأنا لا أمنعك منه ولا أردك ، نعم ؟
السائل : كيف صار بالجوارح ، باللسان والقلب ؟
الشيخ : باللسان والقلب ، الجوارح قال خذ ما شئت ودع ما شئت لأن هذا إعطاء والإعطاء من أعمال الجوارح ، ما هو ظاهر ؟ إذا أعطيتك شيئا فهذا شكر لله تعالى على هذه النعمة
السائل : قال خذ يعني ما أعطاه بيده ؟
الشيخ : أذن له ، هذا الإذن هو إعطاء لولا الإذن ما أخذ شيئا أي نعم ، نعم ؟
السائل : ...
الشيخ : الجوارح ... ؟ هي تبع القلب تبع القلب
السائل : ...
الشيخ : ما أراد ، أذن له بلسانه فهذا بدل ما ... شاة ويعطيها إياه قال خذها أنت على شان أحسن ، أحسن يأخذ ما يريد ، لأنه لو أن هذا الرجل الاعمى أخذ شاة وأعطاها إياه قد تكون غير التي في نفسه ويستحيي أن يقول أعطني غير هذه ، لكن خذ ما شئت أبلغ في الشكر
السائل : ...
الشيخ : نعم
السائل : ...
الشيخ : للاختصاص يعني معناه أنه أخذته لله يعني إخلاصا لله عز وجل ، كل ما أخذته لله عز وجل يعني معناه أنه يراد به وجه الله فخذ ما شئت ، يعني فيما لو قدر أنها ليست هذه ... وجاء إنسان يبي يستعير منك اويستعينك بشيء يأخذه للهو تمنعه لأنه ما أخذه لله أي نعم ، قال : أمسك عليك مالك ، أمسك مالك الذي قال له الملك أمسك مالك فإنما ابتليتم اختبرتم ، والذي ابتلاهم الله عز وجل ، وظاهر الحديث أن هذا الرجل مع صاحبيه كانت قصتهم مشهورة معلومة بين الناس ، لأن قوله فإنما ابتليتم يدل على أن عنده علما بما جرى لصاحبيه ، وغالبا ما تكون هذه الأشياء مشهورة رجل أبرص ثم يعافيه الله ويعطيه المال ورجل أقرع يعافيه الله ويعطيه المال هذا في الغالب يكون مشهورا قصته مشهورة ، فقد رضي الله عنك وسخط على صاحبيك ، رضي الله عنك لأنك شكرت نعمة الله باللسان والقلب والجوارح وسخط على صاحبيك لأنهما كفرا نعمة الله سبحانه وتعالى فأنكرا أن يكون الله عز وجل منّ عليهما بالشفاء من المرض وأعطاهما المال
في هذا الحديث من العبر شيء كثير منها : أن الرسول عليه الصلاة والسلام يقص علينا أنباء بني إسرائيل من أجل الاعتبار والاتعاظ بما جرى ، وهو أحد الأدلة التي استدل بها من قال إن شرع من قبلنا شرع لنا ما لم يرد شرعنا بخلافه ، وموضع بحث هذه القاعدة أصول الفقه لكنه لا شك أنها قاعدة صحيحة وأن ما ثبت في الأمم فهو ثابت لنا إلا إذا ورد الشرع بخلافها.
وابن السبيل تقدم لنا أنه المسافر وسمي ابن سبيل لملازمته للطريق ومنه سمي ابن الماء بطير الماء فكل شيء يلازم شيئا فهو فإنه يضاف إليه بلفظ البنوة ، يقول : فلا بلاغ لي اليوم إلا بالله ثم بك ، ما معنى بلاغ ؟ وصول يعني فلا أصل إلى أهلي وإلى حاجتي وإلى بغيتي إلا بالله ثم بك ، أسألك بالذي رد عليك بصرك شاة أتبلغ بها في سفري ، لم يقل اسألك بالله لماذا ؟ تذكيرا له بنعمة الله عليه ، بالذي رد عليك بصرك ، شاة أتبلغ بها في سفري ، فقال الرجل الأعمى : قد كنت أعمى فرد الله إلي بصري ، اعترف بالنعمة والاعتراف بالنعمة أحد أركان الشكر ، والركن الثاني يا رشاد ؟
الطالب : الشكر ...
الشيخ : نعم ، العمل بالجوارح بطاعة منه ، والركن الثالث يا عبد الرحمن ؟ الاعتراف بالقلب بأنها من الله ، وعلى هذا قول الشاعر :
" أفادتكم النعماء مني ثلاثة *** يدي ولساني والضمير المحجبا "
هذا الرجل اعترف ، قد كنت أعمى فرد الله إلي بصري وهذا من باب التحدث والاعتراف بنعمة الله سبحانه وتعالى ، فخذ ما شئت ودع ما شئت ، ما شاء الله الرجل يقول شاة واحدة المطلوب شاة ويتبلغ بها في سفره والرجل هذا قال خذ ما شئت ودع ما شئت ، شاة أو أكثر ؟ نعم إن شئت أن تأخذ أكثر فلا حرج ، فقال له ...، قال فوالله لا أجهدك اليوم بشيء أخذته لله ، فوالله لا أجهدك معنى لا أجهدك أي لا أبلغ الجهد منك أي المشقة ، الجهد بالفتح المشقة والمعنى لا أشق عليك بمنع ولا منة بمنع ولا منة ، لأن المسؤول إما أن يمنع والمنع شاق على السائل وإما أن يعطي ولكن مع المنة والمنة أيضا شاقة على السائل، على المعطى ولهذا جعلها الله تعالى مبطلة للصدقة يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى إذن ما معنى لا أجهدك ؟ أي لا أبلغ الجهد منك بماذا ؟ بمنع ولا منة خذ ما شئت بدون منة خذ ما تريد فأنا لا أمنعك ولا أمن عليك بما تأخذ ، وهذا من هذا الرجل الأعمى ظاهر جدا في شكر نعمة الله ظهر عليه الاعتراف باللسان قد كنت أعمى فرد الله إلي بصري ، وهذا الاعتراف باللسان مطابق لما في القلب فيكون دالا على الشكر بالقلب بالتضمن أو لا ؟ طيب وقوله خذ ما شئت ودع ما شئت هذا من باب الشكر بالجوارح من باب الشكر بالجوارح فيكون هذا الرجل الأعمى قد أتم أركان الشكر ، اعتراف بالقلب وباللسان وبالجوارح ، وقوله لا أجهدك اليوم بشيء أخذته لله ، لله اللام هنا للاختصاص المعنى لأجل الله عز وجل وهذا ظاهر في إخلاصه وأنه لم يمنعه إلا إخلاصا لله سبحانه وتعالى فكل ما تأخذه لله فأنا لا أمنعك منه ولا أردك ، نعم ؟
السائل : كيف صار بالجوارح ، باللسان والقلب ؟
الشيخ : باللسان والقلب ، الجوارح قال خذ ما شئت ودع ما شئت لأن هذا إعطاء والإعطاء من أعمال الجوارح ، ما هو ظاهر ؟ إذا أعطيتك شيئا فهذا شكر لله تعالى على هذه النعمة
السائل : قال خذ يعني ما أعطاه بيده ؟
الشيخ : أذن له ، هذا الإذن هو إعطاء لولا الإذن ما أخذ شيئا أي نعم ، نعم ؟
السائل : ...
الشيخ : الجوارح ... ؟ هي تبع القلب تبع القلب
السائل : ...
الشيخ : ما أراد ، أذن له بلسانه فهذا بدل ما ... شاة ويعطيها إياه قال خذها أنت على شان أحسن ، أحسن يأخذ ما يريد ، لأنه لو أن هذا الرجل الاعمى أخذ شاة وأعطاها إياه قد تكون غير التي في نفسه ويستحيي أن يقول أعطني غير هذه ، لكن خذ ما شئت أبلغ في الشكر
السائل : ...
الشيخ : نعم
السائل : ...
الشيخ : للاختصاص يعني معناه أنه أخذته لله يعني إخلاصا لله عز وجل ، كل ما أخذته لله عز وجل يعني معناه أنه يراد به وجه الله فخذ ما شئت ، يعني فيما لو قدر أنها ليست هذه ... وجاء إنسان يبي يستعير منك اويستعينك بشيء يأخذه للهو تمنعه لأنه ما أخذه لله أي نعم ، قال : أمسك عليك مالك ، أمسك مالك الذي قال له الملك أمسك مالك فإنما ابتليتم اختبرتم ، والذي ابتلاهم الله عز وجل ، وظاهر الحديث أن هذا الرجل مع صاحبيه كانت قصتهم مشهورة معلومة بين الناس ، لأن قوله فإنما ابتليتم يدل على أن عنده علما بما جرى لصاحبيه ، وغالبا ما تكون هذه الأشياء مشهورة رجل أبرص ثم يعافيه الله ويعطيه المال ورجل أقرع يعافيه الله ويعطيه المال هذا في الغالب يكون مشهورا قصته مشهورة ، فقد رضي الله عنك وسخط على صاحبيك ، رضي الله عنك لأنك شكرت نعمة الله باللسان والقلب والجوارح وسخط على صاحبيك لأنهما كفرا نعمة الله سبحانه وتعالى فأنكرا أن يكون الله عز وجل منّ عليهما بالشفاء من المرض وأعطاهما المال
في هذا الحديث من العبر شيء كثير منها : أن الرسول عليه الصلاة والسلام يقص علينا أنباء بني إسرائيل من أجل الاعتبار والاتعاظ بما جرى ، وهو أحد الأدلة التي استدل بها من قال إن شرع من قبلنا شرع لنا ما لم يرد شرعنا بخلافه ، وموضع بحث هذه القاعدة أصول الفقه لكنه لا شك أنها قاعدة صحيحة وأن ما ثبت في الأمم فهو ثابت لنا إلا إذا ورد الشرع بخلافها.
الفتاوى المشابهة
- العبر المستفادة من حديث الأبرص والأقرع والأع... - ابن عثيمين
- شرح قول المصنف : وله أيضاً عن ابن عباس - رضي... - ابن عثيمين
- الآيات المستنبطة من حديث الأبرص والأقرع والأ... - ابن عثيمين
- شرح قول المصنف :باب : قول الله تعالى : (( ول... - ابن عثيمين
- ماهي قصة الأعمى و الأبرص و الأقرع و هل لها ع... - ابن عثيمين
- قصة الثلاثة أعمى وأبرص وأقرع في شكر النعمة أ... - ابن عثيمين
- قراءة قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما... - ابن عثيمين
- تتمة شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى ف... - ابن عثيمين
- شرح قو ل المصنف قال : ثم إنه أتى الأبرص في ص... - ابن عثيمين
- شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما ن... - ابن عثيمين
- قال ثم إنه أتى الأقرع في صورته ، فقال له مثل... - ابن عثيمين