شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( الكبائر الإشراك بالله وعقوق الوالدين وقتل النفس واليمين الغموس ) رواه البخاري . وعنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( من الكبائر شتم الرجل والديه ) قالوا يا رسول الله وهل يشتم الرجل والديه قال ( نعم يسب أبا الرجل فيسب أباه ويسب أمه فيسب أمه ) متفق عليه . وعن أبي محمد جبير بن مطعم رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( لا يدخل الجنة قاطع )قال سفيان في روايته ( يعني قاطع رحم ) متفق عليه . وعن أبي عيسى المغيرة بن شعبة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( إن الله تعالى حرم عليكم عقوق الأمهات ومنعا وهات ووأد البنات وكره لكم قيل وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال ) متفق عليه ... "
الشيخ محمد بن صالح العثيمين
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم :
هذه الأحاديث كلها تدل على تحريم قطيعة الرحم، وعقوق الوالدين، وقد سبق لها نظائر، ومما فيه زيادة عما سبق حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: مِن الكبائر شتم الرجل والديه : يعني سبهما ولعنهما كما جاء ذلك في رواية أخرى : لعن الله من لعن والديه ، قالوا: يا رسول الله، كيف يشتم الرجل والديه؟ : لأن هذا أمر مستغرب، وأمر بعيد قال: نعم، يشتم أبا الرجل فيشتم أباه، ويشتم أمه فيشتم أمه : يعني يكون سبباً في شتم والديه ، يأتي إلى شخص فيشتم والدي الشخص، فيقابله الشخص الثاني بالمثل ويشتم والديه، ولا يعني ذلك أنه يجوز للثاني أن يشتم والدي الرجل، لأنه : لا تزر وازرة وزر أخرى ، ولكنه في العادة والطبيعة أن الإنسان يجازي غيره يمثل ما فعل به، فإذا سبه سبه. كما قال تعالى: وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ ، فلذلك لما كان سبباً في سب والديه،كان عليه إثم ذلك.
ثم ذكر المؤلف حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الله حرم عليكم عقوق الأمهات، ووأد البنات، ومنعاً وهات .
الشاهد من هذا الحديث قوله: عقوق الأمهات : وهو قطع ما يجب لهن من البر، أما وأد البنات : فهو دفنهن حياتٍ، وذلك لأنهم في الجاهلية كانوا يكرهون البنات، ويقولون: إن بقاء البنت عند الرجل مَسبة له، يعيبه العرب.
فكانوا والعياذ بالله يأتون بالبنت فيحفرون لها حفرة ويدفنونها وهي حية. قال الله تعالى: وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ * بأَيِّ ذنبٍ قُتلَت ، فحرم الله ذلك، وهو لاشك مِن أكبر الكبائر، وإذا كان قتل الأجنبي المؤمن سبباً للخلود في النار كما قال تعالى : وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً ، فالقرابة أشد وأشد.
ومنعاً وهات : يعني أن يكون الإنسان جموعاً منوعاً ، يمنع ما يجب عليه بذله من المال، ويطلب ما ليس له، هات: يعني أعطوني مال، منعاً : يعني يمنع ما يجب عليه، فإن هذا أيضاً مما حرمه الله عز وجل ، لأنه لا يجوز للإنسان أن يمنع ما يجب عليه بذله من المال ، ولا يجوز أن يسأل ما لا يستحق، فكلاهما حرام، ولهذا قال: حرم عليكم منعاً وهات .
وكره لكم قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال : كره وحرم ليس بينهما فرق، لأن الكراهة في لسان الشارع معناها التحريم، ولكن هذا والله أعلم من باب اختلاف التعبير فقط.
كره لكم قيل وقال : يعني نقل الكلام، وكثرة ما يتكلم الإنسان ويثرثر، وليس له هم إلا الكلام في الناس، قالوا كذا وقيل كذا، ولا سيما إذا كان هذا في أعراض أهل العلم وأعراض ولاة الأمور، فإنه يكون أشد وأشد كراهة عند الله عز وجل .
فالإنسان المؤمن هو الذي لا يقول إلا خيراً ، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت .
كره لكم قيل وقال وكثرة السؤال : كثرة السؤال : يحتمل أن يكون المراد السؤال عن العلم، ويحتمل أن يكون المراد السؤال عن المال.
أما الأول: وهو كثرة السؤال عن العلم ، فهذا إنما يُكره إذا كان الإنسان لا يريد إلا إعنات المسؤول، والإشقاق عليه، وإدخال السآمة والملل عليه، أما إذا كان يريد العلم فإنه لا يُنهى عن ذلك، ولا يُكره ذلك، وقد كان عبد الله بن عباس رضي الله عنهما كثير السؤال، فقد قيل له: " بم أدركت العلم؟ قال: أدركت العلم بلسان سؤول، وقلب عقول، وبدن غير ملول " .
لكن إذا كان قصده الإشقاق على المسؤول والإعنات عليه، وإلحاق السآمة به، أو تلقط زلاته لعله يزل، فيكون في ذلك قدح فيه، فإن هذا هو المكروه.
أما سؤال المال فإن كثرة السؤال قد تُلحق الإنسان بأصحاب الشح والطمع، ولهذا لا يجوز للإنسان سؤال المال إلا عند الحاجة، أو إذا كان يرى أن المسؤول يمن عليه أن يسأله، كما لو كان صديقاً لك قوي الصداقة فسألته حاجة، أو قريباً جداً فسألته حاجة وأنت تعرف أنه يكون بذلك ممنوناً، فهذا لا بأس به، أما إذا كان الأمر على خلاف ذلك فلا يجوز أن تسأل إلا عند الضرورة.
وأما إضاعة المال : فهو بذله في غير فائدة ، أن يبذله الإنسان في غير فائدة دينية ولا دنيوية ، فإن هذا إضاعة له ، لأن الله تعالى قال: وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَاماً : فالمال قيام للناس تقوم به مصالح دينهم ودنياهم، فإذا بذله في غير ذلك فهذا إضاعة له، وأقبح من ذلك أن يبذله في محرم، فيرتكب في هذا محظورين:
المحظور الأول: إضاعة المال.
والمحظور الثاني: ارتكاب المحرم.
فالأموال يجب أن يحافظ عليها الإنسان، وألا يُضيعها وألا يبذلها إلا فيما فيه مصلحة له دينية أو دنيوية، والله الموفق.
هذه الأحاديث كلها تدل على تحريم قطيعة الرحم، وعقوق الوالدين، وقد سبق لها نظائر، ومما فيه زيادة عما سبق حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: مِن الكبائر شتم الرجل والديه : يعني سبهما ولعنهما كما جاء ذلك في رواية أخرى : لعن الله من لعن والديه ، قالوا: يا رسول الله، كيف يشتم الرجل والديه؟ : لأن هذا أمر مستغرب، وأمر بعيد قال: نعم، يشتم أبا الرجل فيشتم أباه، ويشتم أمه فيشتم أمه : يعني يكون سبباً في شتم والديه ، يأتي إلى شخص فيشتم والدي الشخص، فيقابله الشخص الثاني بالمثل ويشتم والديه، ولا يعني ذلك أنه يجوز للثاني أن يشتم والدي الرجل، لأنه : لا تزر وازرة وزر أخرى ، ولكنه في العادة والطبيعة أن الإنسان يجازي غيره يمثل ما فعل به، فإذا سبه سبه. كما قال تعالى: وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ ، فلذلك لما كان سبباً في سب والديه،كان عليه إثم ذلك.
ثم ذكر المؤلف حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الله حرم عليكم عقوق الأمهات، ووأد البنات، ومنعاً وهات .
الشاهد من هذا الحديث قوله: عقوق الأمهات : وهو قطع ما يجب لهن من البر، أما وأد البنات : فهو دفنهن حياتٍ، وذلك لأنهم في الجاهلية كانوا يكرهون البنات، ويقولون: إن بقاء البنت عند الرجل مَسبة له، يعيبه العرب.
فكانوا والعياذ بالله يأتون بالبنت فيحفرون لها حفرة ويدفنونها وهي حية. قال الله تعالى: وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ * بأَيِّ ذنبٍ قُتلَت ، فحرم الله ذلك، وهو لاشك مِن أكبر الكبائر، وإذا كان قتل الأجنبي المؤمن سبباً للخلود في النار كما قال تعالى : وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً ، فالقرابة أشد وأشد.
ومنعاً وهات : يعني أن يكون الإنسان جموعاً منوعاً ، يمنع ما يجب عليه بذله من المال، ويطلب ما ليس له، هات: يعني أعطوني مال، منعاً : يعني يمنع ما يجب عليه، فإن هذا أيضاً مما حرمه الله عز وجل ، لأنه لا يجوز للإنسان أن يمنع ما يجب عليه بذله من المال ، ولا يجوز أن يسأل ما لا يستحق، فكلاهما حرام، ولهذا قال: حرم عليكم منعاً وهات .
وكره لكم قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال : كره وحرم ليس بينهما فرق، لأن الكراهة في لسان الشارع معناها التحريم، ولكن هذا والله أعلم من باب اختلاف التعبير فقط.
كره لكم قيل وقال : يعني نقل الكلام، وكثرة ما يتكلم الإنسان ويثرثر، وليس له هم إلا الكلام في الناس، قالوا كذا وقيل كذا، ولا سيما إذا كان هذا في أعراض أهل العلم وأعراض ولاة الأمور، فإنه يكون أشد وأشد كراهة عند الله عز وجل .
فالإنسان المؤمن هو الذي لا يقول إلا خيراً ، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت .
كره لكم قيل وقال وكثرة السؤال : كثرة السؤال : يحتمل أن يكون المراد السؤال عن العلم، ويحتمل أن يكون المراد السؤال عن المال.
أما الأول: وهو كثرة السؤال عن العلم ، فهذا إنما يُكره إذا كان الإنسان لا يريد إلا إعنات المسؤول، والإشقاق عليه، وإدخال السآمة والملل عليه، أما إذا كان يريد العلم فإنه لا يُنهى عن ذلك، ولا يُكره ذلك، وقد كان عبد الله بن عباس رضي الله عنهما كثير السؤال، فقد قيل له: " بم أدركت العلم؟ قال: أدركت العلم بلسان سؤول، وقلب عقول، وبدن غير ملول " .
لكن إذا كان قصده الإشقاق على المسؤول والإعنات عليه، وإلحاق السآمة به، أو تلقط زلاته لعله يزل، فيكون في ذلك قدح فيه، فإن هذا هو المكروه.
أما سؤال المال فإن كثرة السؤال قد تُلحق الإنسان بأصحاب الشح والطمع، ولهذا لا يجوز للإنسان سؤال المال إلا عند الحاجة، أو إذا كان يرى أن المسؤول يمن عليه أن يسأله، كما لو كان صديقاً لك قوي الصداقة فسألته حاجة، أو قريباً جداً فسألته حاجة وأنت تعرف أنه يكون بذلك ممنوناً، فهذا لا بأس به، أما إذا كان الأمر على خلاف ذلك فلا يجوز أن تسأل إلا عند الضرورة.
وأما إضاعة المال : فهو بذله في غير فائدة ، أن يبذله الإنسان في غير فائدة دينية ولا دنيوية ، فإن هذا إضاعة له ، لأن الله تعالى قال: وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَاماً : فالمال قيام للناس تقوم به مصالح دينهم ودنياهم، فإذا بذله في غير ذلك فهذا إضاعة له، وأقبح من ذلك أن يبذله في محرم، فيرتكب في هذا محظورين:
المحظور الأول: إضاعة المال.
والمحظور الثاني: ارتكاب المحرم.
فالأموال يجب أن يحافظ عليها الإنسان، وألا يُضيعها وألا يبذلها إلا فيما فيه مصلحة له دينية أو دنيوية، والله الموفق.
الفتاوى المشابهة
- باب تغليظ اليمين الكاذبة عمدا. عن ابن مسعود... - ابن عثيمين
- شرح حديث عن أبي الدرداء رضي الله عنه عن النب... - ابن عثيمين
- حدثنا علي بن مسلم حدثنا هشيم أخبرنا غير واحد... - ابن عثيمين
- شرح حديث عن أبي بكر بن أبي موسى الأشعري قال:... - ابن عثيمين
- يشتم والديه - اللجنة الدائمة
- تتمة شرح الحديث : حدثنا علي بن مسلم حدثنا هش... - ابن عثيمين
- باب النهي عن إضاعة المال في غير وجوهه التي أ... - ابن عثيمين
- حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا الليث عن بن الهاد... - ابن عثيمين
- تتمة شرح حديث عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:... - ابن عثيمين
- قراءة قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما... - ابن عثيمين
- شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما ن... - ابن عثيمين