ثم كان عليه الصلاة والسلام يصلي ركعتين قبل الغداة : يعني إذا أذن الفجر صلى ركعتين ، وكان يخفف هاتين الركعتين حتى تقول عائشة : "أقرأ بأم القرآن ؟" : لشدة تخفيفه لهما ، ثم يضطجع على جنبه الأيمن حتى يأتيه المؤذن يؤذنه بالصلاة عليه الصلاة والسلام :
ففي هذا دليل على أن قيام الليل إحدى عشرة ركعة يوتر بواحدة .
ودليل على أنه ينبغي أن يصلي الإنسان الراتبة في بيته أفضل من المسجد لاسيما الإمام .
وفيه أيضا أن الإمام لا يخرج من بيته إلا للإقامة ، يبقى في بيته حتى يأتي وقت الإقامة فيخرج إلى المسجد ويصلي ، هذا هو الأفضل ، أفضل من أن يتقدم الإمام ويصلي بالمسجد ، الذي غير الإمام ينتظر الإمام والإمام ينتظره غيره ، فلذلك كان الأفضل في حقه أن يتأخر إلى قرب إقامة الصلاة ، إلا أن يكون لهذا سبب ، أو يكون في تقدمه مصلحة ، مثل أن يكون تقدمه يشجع المصلين فيتقدمون ، ولو تأخر لكسلوا فهذا ينظر للمصلحة .
وفي حديثها الثاني : "أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان لا يزيد في رمضان ولا غيره على إحدى عشرة ركعة" ، "لأنها سئلت : كيف كانت صلاة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في رمضان ؟ قالت : كان لا يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة ، يصلي أربعًا فلا تسأل عن حسنهن وطولهن ، ثم يصلي أربعًا فلا تسأل عن حسنهن وطولهن ثم يصلي ثلاثا" : هذه أربع وأربع وثلاث : إحدى عشرة ، هذا هو السنة وهو الأفضل ألا يزيد في صلاة الليل على إحدى عشرة ركعة ، أو ثلاث عشرة ركعة كما صح به الحديث .
وقولها رضي الله عنها : "يصلي أربعًا فلا تسأل عن حسنهن وطولهن" : قد ظن بعض الناس أنها أربع مجموعة بسلام واحد ، وهذا غلط ، لأنه قد جاء مفصلاً مُبينًا أنها أربع ركعات يسلم من كل ركعتين ، وأربع ركعات يسلم من كل ركعتين ، وثلاث ركعات ، فيكون قولها : "يصلي أربعا فلا تسأل عن حسنهن وطولهن ثم يصلي" : يكون فيه دليل على أنه إذا صلى الأربع بسلامين استراح قليلا لقولها : "ثم يصلي" : وثم للترتيب بمهلة ، ثم يصلي الأربع على ركعتين ثم الثلاثة .
وفي هذا إشارة ، أو أنا أشير في هذه المسألة إلى أنه ينبغي للإنسان ألا يتعجل في فهم النصوص ، بل يجمع شواردها حتى يضم بعضها إلى بعض ، ويتبين له الأمر ، فقد كان بعض الإخوان الذين بدؤوا يتعلمون ولاسيما علم الحديث : صاروا يصلون بالناس أربع ركعات جميعًا وهذا غلط ، غلط على السنة وفهم خاطئ ، "لأن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن صلاة الليل فقال : مثنى مثنى" : وهذا حصر في أنها ركعتان ركعتان ، لا يمكن أن يصلي أربعًا في الليل إلا في بعض صور الوتر يصلي خمسًا جميعا وسبعًا جميعا وتسعًا جميعا ألا أنه يتشهد في الثامنة .