أليس قوله - صلى الله عليه وسلم - : ( من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة ، ثمَّ راح إلى المسجد ) إلى آخر الحديث دليل على استحباب غسل الجمعة ؟ مع التفصيل ، وجزاكم الله خيرًا ؟
الشيخ محمد ناصر الالباني
السائل : يقول السائل : أليس قوله - صلى الله عليه وسلم - من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة ، ثمَّ راح إلى المسجد إلى آخر الحديث دليل على استحباب غسل الجمعة ؟ مع التفصيل ، وجزاكم الله خيرًا ؟
الشيخ : الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله :
الحديث يدلُّ على فضيلة الاغتسال يوم الجمعة كغسل الجنابة ، وليس فيه بيان لحكم هذا الغسل من وجوبٍ أو دون ذلك ، وإنما يُؤخذ حكم غسل الجمعة من أحاديث أخرى تكون صريحة في الدلالة على الحكم ، وقد جاء هناك قسمان من الحديث :
- أحدهما : يدل على الوجوب .
- والآخر : يدل على الفضيلة التي قد يتوهَّم منها بعض الناس أنها تُنافي الوجوب .
فالأحاديث من القسم الأول كثيرة وصحيحة ، وهي في " الصحيحين " وغيرهما ، كقول النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - : غسل الجمعة واجب على كلِّ محتلم ، وكقوله - أيضًا - : من أتى الجمعة ؛ فليغتسل ، وقوله : حقٌّ على كل مسلم أن يغتسل في كل سبعة أيام ، أو كما قال - عليه السلام - ، فهذه الأحاديث في ظاهرها ، والظاهر واجب الوقوف عنده إلا إذا قام الدليل يضطر الباحث أن ينصرف عن القول من الوجوب إلى ما دونه ، ولم نجد دليلًا يضطرُّنا إلى مثل هذا الخروج عن ظاهر الدلالة إلا القسم الثاني الذي سبقت الإشارة إليه ، وهو الحديث المعروف في السنن وغيرها ممن ... أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قال : من توضَّأ يوم الجمعة ؛ فبها ونعمت ، ومن اغتسل ؛ فالغسل أفضل ، فيستدلُّ بعض العلماء بقوله - عليه السلام - في آخر هذا الحديث : ومن اغتسل ؛ فالغسل أفضل أنه ليس بواجب ، والحقيقة أن الحديث لا دلالة فيه على شيء من ذلك ، لأن كون الغسل يوم الجمعة أفضل يصدق على الغسل سواء كان مستحبًّا ، أو كان سنَّة مؤكدة ، أو كان حقًّا واجبًا ، فكل ذلك يدخل تحت قوله - عليه السلام - ومن اغتسل ؛ فالغسل أفضل ، بل إن هذه الأفضلية تتأكد وتتحقق إذا قلنا بوجوب غسل الجمعة أكثر مما لو قلنا بسنيَّته ، كما أننا إذا قلنا بسنيَّة الغسل يوم الجمعة تتحقَّق هذه الأفضلية أكثر مما لو قلنا بالاستحباب ، فلذلك فلا ينافي قوله - عليه السلام - في هذا الحديث : الغسل أفضل أن هذا الغسل ليس بواجب .
وشيء آخر لا بد من ذكره أن هذا الحديث يمكن أن يكون إذا ما رجعنا إلى التمسك بدلالته الظاهرة فهو أفضل يعني ليس بواجب ، يمكن أن يقال : بأن هذا الحديث كان قبل تأكيد الرسول - عليه السلام - بوجوب غسل الجمعة ، وذلك من التدرج في التشريع ، الذي يلاحظه كلُّ فقيه في بعض الأحكام الشرعية ، ومن أشهرها التدرج في تحريم الخمر ، فمن المعلوم أن الصحابة - رضي الله عنهم - كانوا يعيشون بحياة صعبة من الناحية المادية ، وقلة المياه التي تساعدهم على النظافة ، وكونهم كانوا يعملون أعمالًا من تعاطي الزراعة والفلاحة ونحو ذلك ، فمن الصعب أن يُؤمروا - وحالتهم هذه - مباشرة أمرًا واجبًا بالغسل ، ولذلك جاء في بعض الأحاديث عن عائشة - رضي الله عنها - أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - دخل المسجد يوم الجمعة ، فوجد منهم رائحة الثياب التي تعرَّقت ، فقال لهم : لو أنكم اغتسلتم يوم الجمعة ، لو أنكم اغتسلتم هذا مبدأ التمهيد بإيجاب غسل الجمعة ، لأن فيه الحضَّ الناعم اللطيف لهؤلاء الصحابة أن يغتسلوا يوم الجمعة بسبب الرائحة ، رائحة الثوب ، ورائحة العرق ، ونحو ذلك ، ثم جاءت أحاديث أخرى فيها - كما سمعتم آنفًا - الأمر بغسل الجمعة أمرًا مؤكدًا ، وهذا ما فهمه عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - حينما كان يخطب يوم الجمعة ، ودخل عليه رجل - وفي رواية أنه عثمان بن عفان - وهو يخطب ، فقطع عمر بن الخطاب خطبته ليقول لعثمان عن تأخره ، فأجاب : بأنه ما كان منه إلا أن سمع الأذان ثم توضَّأ وجاء ، فقال عمر : " والوضوءَ أيضًا ؟! وقد سمعت رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - يقول : من أتى الجمعة ؛ فليغتسل " .
فقد أنكر عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - على عثمان - فيما ظهر لعمر منه - أنه اقتصر في ذلك اليوم على الوضوء فقط ، هذا الإنكار من عمر بن الخطاب على عثمان وعلى رؤوس الأشهاد من الصعب جدًّا أن يُفهم أن غسل الجمعة هو من الأعمال الفضيلة التي لا يُؤنَّب تاركها ، وإنما يُثاب فاعلها ، بعيد جدًّا أن يصنع عمر بن الخطاب فيما لو كان يرى أن غسل الجمعة ليس بواجب ، هذا العمل مع هذا الرجل والذي هو عثمان بن عفان - رضي الله عنه - لأن فيه تشهيرًا له على ملأٍ من الناس في أمرٍ يُفترض أنه ليس مأمورًا به ، مثل هذا العمل نستبعده جدًّا جدًّا أن يصدر من عمر بن الخطاب ، بل الذي يتجاوب إنكاره هذا على عثمان هو أن نأخذ بدلالة الأحاديث من القسم الأول ، التي كلها تؤكد أن غسل الجمعة واجب على كل بالغ مكلَّف .
هذا ما عندنا من جواب على هذا السؤال .
السائل : ... .
الشيخ : ما بهمنا أولًا ، بهمنا أخيرًا : قال له : " والوضوء - أيضًا - " .
السائل : لكن - شيخ - الإنكار الأول ... .
الشيخ : ... قال : " والوضوء - أيضًا - ؟! " .
السائل : الإنكار الأول ... .
الشيخ : بارك الله فيك ، الإنكار الأول على ماذا انصبَّ ؟ أليس على تأخره ؟ طويناه ، أي شيء في هذا ؟ ليس في هذا شيء يتعلق بهذا البحث ، وإنما قوله : " والوضوء - أيضًا - ؟! " هنا البحث ، فهو ينكر عليه اقتصاره على الوضوء ، فأي شيء عندك في هذا ؟ عمر ينكر على عثمان اقتصاره على الوضوء ، ويؤكد له أنه كان عليه أن يغتسل ؛ لأن عمر سمع الرسول يقول : من أتى الجمعة ؛ فليغتسل .
بعض العلماء يقولون : ليس في الحديث أو فيما فعل عثمان دليلًا واضحًا على أن عثمان لم يكن اغتسل في ذلك اليوم ، وهذا صحيح ، لكن الذي تبادر لعمر من عمل عثمان لما قال أنه ما كان إلا أن سمعت الأذان وتوضأت بأنه لم يغتسل ، مع أنه من الممكن ، وهذا ما يقع معنا كثيرًا ، نغتسل بعد صلاة الفجر - مثلًا - أو ضحوة ، ثم ينتقض وضوء أحدنا ، فلا يجد سبيلًا إلا أن يتوضأ ، لأن الصلاة لا تصحُّ ، فيمكن أن يكون هذا الذي وقع لعثمان بن عفان ، ثم أقل ما يقال : إن ما يتعلق بعثمان من كونه اغتسل أو لم يغتسل أمر مَطويٌّ عندنا ، لا نستطيع أن نقطع بجواب بأنه كان اغتسل أو لم يكن اغتسل ، ولذلك فليس في ذلك دليل لأحد الفريقين إطلاقًا ، لكن الدليل الواضح كما ترون هو في إنكار عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - على عثمان ما بدر لعمر من قول عثمان أنه ما كان منه إلا أن سمع الأذان وتوضأ ، فأنكر عليه اقتصاره على الوضوء ، وهو يعلم كما يعلم عمر أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قال : من أتى الجمعة ؛ فليغتسل .
وهنا شيء لا بد من التنبيه قبل إنهاء الجواب وهو :
أن غسل الجمعة ليس شرطًا من شروط صحة الصلاة ، وإنما هو أدب واجب من آداب من أتى الجمعة ، ومعنى هذا أن رجلًا إذا صلى الجمعة بعد أن توضأ ولم يكن فعلًا قد اغتسل ، فصلاته صحيحة ، كل ما في الأمر أنه قصَّر بتنفيذ ذلك الأمر النبوي الكريم : من أتى الجمعة ؛ فليغتسل ، وعلى هذا فالحديث الآخر الذي فيه : من توضأ يوم الجمعة ؛ فبها ونعمت ، ومن اغتسل ؛ فالغسل أفضل يؤكد صحة صلاة الجمعة ، وأن الغسل أفضل من الاقتصار على الوضوء ، وهذا كما شرحناه لكم لا ينفي أبدًا وجوب غسل الجمعة كما تدل عليه تلك الأحاديث الصحيحة .
وفي نهاية المطاف أذكِّر بناحية حديثية ، إن الأحاديث من القسم الأول متَّفق عليها ما بين البخاري و مسلم ؛ فهي صحيحة اتفاقًا ، بينما الحديث الآخر ما استطعنا أن نجد له إسنادًا صحيحًا ، وكل ما في الأمر أننا رفعنا من ضعفه إلى مرتبة الصحة بمجموع الطرق ، فإذا ضاق الأمر بباحث ما للتوفيق بين القسم الأول من الأحاديث والقسم الآخر حينذاك رجع إلى الترجيح بينها ، ولا شك ولا ريب أن القسم الأول هي أرجح بكثير من القسم الآخر ، لما ذكرناه أولًا من أنها أحاديث عديدة ، وثانيًا : أنها جاءت بالصحيحة من الأحاديث التي جاءت في البخاري ومسلم بخلاف الحديث الأخير .
السائل : ... .
الشيخ : أما بعد الصبح ؛ نعم ، أما قبل الصبح ؛ فلا .
السائل : ... .
الشيخ : ولو انتقض وضوءه ، هذا سبق .
نعم .
الشيخ : الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله :
الحديث يدلُّ على فضيلة الاغتسال يوم الجمعة كغسل الجنابة ، وليس فيه بيان لحكم هذا الغسل من وجوبٍ أو دون ذلك ، وإنما يُؤخذ حكم غسل الجمعة من أحاديث أخرى تكون صريحة في الدلالة على الحكم ، وقد جاء هناك قسمان من الحديث :
- أحدهما : يدل على الوجوب .
- والآخر : يدل على الفضيلة التي قد يتوهَّم منها بعض الناس أنها تُنافي الوجوب .
فالأحاديث من القسم الأول كثيرة وصحيحة ، وهي في " الصحيحين " وغيرهما ، كقول النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - : غسل الجمعة واجب على كلِّ محتلم ، وكقوله - أيضًا - : من أتى الجمعة ؛ فليغتسل ، وقوله : حقٌّ على كل مسلم أن يغتسل في كل سبعة أيام ، أو كما قال - عليه السلام - ، فهذه الأحاديث في ظاهرها ، والظاهر واجب الوقوف عنده إلا إذا قام الدليل يضطر الباحث أن ينصرف عن القول من الوجوب إلى ما دونه ، ولم نجد دليلًا يضطرُّنا إلى مثل هذا الخروج عن ظاهر الدلالة إلا القسم الثاني الذي سبقت الإشارة إليه ، وهو الحديث المعروف في السنن وغيرها ممن ... أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قال : من توضَّأ يوم الجمعة ؛ فبها ونعمت ، ومن اغتسل ؛ فالغسل أفضل ، فيستدلُّ بعض العلماء بقوله - عليه السلام - في آخر هذا الحديث : ومن اغتسل ؛ فالغسل أفضل أنه ليس بواجب ، والحقيقة أن الحديث لا دلالة فيه على شيء من ذلك ، لأن كون الغسل يوم الجمعة أفضل يصدق على الغسل سواء كان مستحبًّا ، أو كان سنَّة مؤكدة ، أو كان حقًّا واجبًا ، فكل ذلك يدخل تحت قوله - عليه السلام - ومن اغتسل ؛ فالغسل أفضل ، بل إن هذه الأفضلية تتأكد وتتحقق إذا قلنا بوجوب غسل الجمعة أكثر مما لو قلنا بسنيَّته ، كما أننا إذا قلنا بسنيَّة الغسل يوم الجمعة تتحقَّق هذه الأفضلية أكثر مما لو قلنا بالاستحباب ، فلذلك فلا ينافي قوله - عليه السلام - في هذا الحديث : الغسل أفضل أن هذا الغسل ليس بواجب .
وشيء آخر لا بد من ذكره أن هذا الحديث يمكن أن يكون إذا ما رجعنا إلى التمسك بدلالته الظاهرة فهو أفضل يعني ليس بواجب ، يمكن أن يقال : بأن هذا الحديث كان قبل تأكيد الرسول - عليه السلام - بوجوب غسل الجمعة ، وذلك من التدرج في التشريع ، الذي يلاحظه كلُّ فقيه في بعض الأحكام الشرعية ، ومن أشهرها التدرج في تحريم الخمر ، فمن المعلوم أن الصحابة - رضي الله عنهم - كانوا يعيشون بحياة صعبة من الناحية المادية ، وقلة المياه التي تساعدهم على النظافة ، وكونهم كانوا يعملون أعمالًا من تعاطي الزراعة والفلاحة ونحو ذلك ، فمن الصعب أن يُؤمروا - وحالتهم هذه - مباشرة أمرًا واجبًا بالغسل ، ولذلك جاء في بعض الأحاديث عن عائشة - رضي الله عنها - أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - دخل المسجد يوم الجمعة ، فوجد منهم رائحة الثياب التي تعرَّقت ، فقال لهم : لو أنكم اغتسلتم يوم الجمعة ، لو أنكم اغتسلتم هذا مبدأ التمهيد بإيجاب غسل الجمعة ، لأن فيه الحضَّ الناعم اللطيف لهؤلاء الصحابة أن يغتسلوا يوم الجمعة بسبب الرائحة ، رائحة الثوب ، ورائحة العرق ، ونحو ذلك ، ثم جاءت أحاديث أخرى فيها - كما سمعتم آنفًا - الأمر بغسل الجمعة أمرًا مؤكدًا ، وهذا ما فهمه عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - حينما كان يخطب يوم الجمعة ، ودخل عليه رجل - وفي رواية أنه عثمان بن عفان - وهو يخطب ، فقطع عمر بن الخطاب خطبته ليقول لعثمان عن تأخره ، فأجاب : بأنه ما كان منه إلا أن سمع الأذان ثم توضَّأ وجاء ، فقال عمر : " والوضوءَ أيضًا ؟! وقد سمعت رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - يقول : من أتى الجمعة ؛ فليغتسل " .
فقد أنكر عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - على عثمان - فيما ظهر لعمر منه - أنه اقتصر في ذلك اليوم على الوضوء فقط ، هذا الإنكار من عمر بن الخطاب على عثمان وعلى رؤوس الأشهاد من الصعب جدًّا أن يُفهم أن غسل الجمعة هو من الأعمال الفضيلة التي لا يُؤنَّب تاركها ، وإنما يُثاب فاعلها ، بعيد جدًّا أن يصنع عمر بن الخطاب فيما لو كان يرى أن غسل الجمعة ليس بواجب ، هذا العمل مع هذا الرجل والذي هو عثمان بن عفان - رضي الله عنه - لأن فيه تشهيرًا له على ملأٍ من الناس في أمرٍ يُفترض أنه ليس مأمورًا به ، مثل هذا العمل نستبعده جدًّا جدًّا أن يصدر من عمر بن الخطاب ، بل الذي يتجاوب إنكاره هذا على عثمان هو أن نأخذ بدلالة الأحاديث من القسم الأول ، التي كلها تؤكد أن غسل الجمعة واجب على كل بالغ مكلَّف .
هذا ما عندنا من جواب على هذا السؤال .
السائل : ... .
الشيخ : ما بهمنا أولًا ، بهمنا أخيرًا : قال له : " والوضوء - أيضًا - " .
السائل : لكن - شيخ - الإنكار الأول ... .
الشيخ : ... قال : " والوضوء - أيضًا - ؟! " .
السائل : الإنكار الأول ... .
الشيخ : بارك الله فيك ، الإنكار الأول على ماذا انصبَّ ؟ أليس على تأخره ؟ طويناه ، أي شيء في هذا ؟ ليس في هذا شيء يتعلق بهذا البحث ، وإنما قوله : " والوضوء - أيضًا - ؟! " هنا البحث ، فهو ينكر عليه اقتصاره على الوضوء ، فأي شيء عندك في هذا ؟ عمر ينكر على عثمان اقتصاره على الوضوء ، ويؤكد له أنه كان عليه أن يغتسل ؛ لأن عمر سمع الرسول يقول : من أتى الجمعة ؛ فليغتسل .
بعض العلماء يقولون : ليس في الحديث أو فيما فعل عثمان دليلًا واضحًا على أن عثمان لم يكن اغتسل في ذلك اليوم ، وهذا صحيح ، لكن الذي تبادر لعمر من عمل عثمان لما قال أنه ما كان إلا أن سمعت الأذان وتوضأت بأنه لم يغتسل ، مع أنه من الممكن ، وهذا ما يقع معنا كثيرًا ، نغتسل بعد صلاة الفجر - مثلًا - أو ضحوة ، ثم ينتقض وضوء أحدنا ، فلا يجد سبيلًا إلا أن يتوضأ ، لأن الصلاة لا تصحُّ ، فيمكن أن يكون هذا الذي وقع لعثمان بن عفان ، ثم أقل ما يقال : إن ما يتعلق بعثمان من كونه اغتسل أو لم يغتسل أمر مَطويٌّ عندنا ، لا نستطيع أن نقطع بجواب بأنه كان اغتسل أو لم يكن اغتسل ، ولذلك فليس في ذلك دليل لأحد الفريقين إطلاقًا ، لكن الدليل الواضح كما ترون هو في إنكار عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - على عثمان ما بدر لعمر من قول عثمان أنه ما كان منه إلا أن سمع الأذان وتوضأ ، فأنكر عليه اقتصاره على الوضوء ، وهو يعلم كما يعلم عمر أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قال : من أتى الجمعة ؛ فليغتسل .
وهنا شيء لا بد من التنبيه قبل إنهاء الجواب وهو :
أن غسل الجمعة ليس شرطًا من شروط صحة الصلاة ، وإنما هو أدب واجب من آداب من أتى الجمعة ، ومعنى هذا أن رجلًا إذا صلى الجمعة بعد أن توضأ ولم يكن فعلًا قد اغتسل ، فصلاته صحيحة ، كل ما في الأمر أنه قصَّر بتنفيذ ذلك الأمر النبوي الكريم : من أتى الجمعة ؛ فليغتسل ، وعلى هذا فالحديث الآخر الذي فيه : من توضأ يوم الجمعة ؛ فبها ونعمت ، ومن اغتسل ؛ فالغسل أفضل يؤكد صحة صلاة الجمعة ، وأن الغسل أفضل من الاقتصار على الوضوء ، وهذا كما شرحناه لكم لا ينفي أبدًا وجوب غسل الجمعة كما تدل عليه تلك الأحاديث الصحيحة .
وفي نهاية المطاف أذكِّر بناحية حديثية ، إن الأحاديث من القسم الأول متَّفق عليها ما بين البخاري و مسلم ؛ فهي صحيحة اتفاقًا ، بينما الحديث الآخر ما استطعنا أن نجد له إسنادًا صحيحًا ، وكل ما في الأمر أننا رفعنا من ضعفه إلى مرتبة الصحة بمجموع الطرق ، فإذا ضاق الأمر بباحث ما للتوفيق بين القسم الأول من الأحاديث والقسم الآخر حينذاك رجع إلى الترجيح بينها ، ولا شك ولا ريب أن القسم الأول هي أرجح بكثير من القسم الآخر ، لما ذكرناه أولًا من أنها أحاديث عديدة ، وثانيًا : أنها جاءت بالصحيحة من الأحاديث التي جاءت في البخاري ومسلم بخلاف الحديث الأخير .
السائل : ... .
الشيخ : أما بعد الصبح ؛ نعم ، أما قبل الصبح ؛ فلا .
السائل : ... .
الشيخ : ولو انتقض وضوءه ، هذا سبق .
نعم .
الفتاوى المشابهة
- ما حكم الجمع بين غسل الجنابة وغسل الجمعة.؟ - ابن عثيمين
- هل غسل الجنابة يجزئ عن غسل الجمعة ؟ - الالباني
- تنبيه الشيخ على أن غسل الجمعة واجب . - الالباني
- غسل الجمعة وغسل الجنابة هل يوجد دليل على الجمع... - الالباني
- حكم غسل يوم الجمعة - ابن باز
- غسل الجمعة وغسل الحنابة فيه دليل على الجمع بين... - الالباني
- حديث :( ومن اغتسل فالغسل أفضل ) أليس فيه است... - ابن عثيمين
- إذا كان عليَّ جنابة فاغتسلت في يوم الجمعة، ف... - ابن عثيمين
- ما حكم غسل يوم الجمعة . ؟ وهل غسل الجنابة يوم... - الالباني
- عن عبد الله بن أبي قتادة قال : دخل علي أبي و... - ابن عثيمين
- أليس قوله - صلى الله عليه وسلم - : ( من اغتسل... - الالباني