حديث رافع في قراءة المؤمن الفاتحة ، هل هو مُعلٌّ بعنعنة ؟
الشيخ محمد ناصر الالباني
السائل : بالنسبة يا شيخ لحديث رافع ... قراءة المؤمن للفاتحة ، هل هو مُعلٌّ بعنعنة ... ؟
الشيخ : هو كذلك ، لأنه إما أن يرويه بواسطة وهي مجهولة ، أظن اسمه نافع ، وإما أن يُسقطه فهو تدليس ، ولذلك فحديثه مُعلَّل تارةً بالعنعنة ، وتارةً بالجهالة ، يُضاف إلى ذلك أنَّ متنه لا يدل على وجوب قراءة الفاتحة بالنسبة للمقتدي ؛ ذلك لأنَّ الأمر بالشيء بعد النهي عنه لا يستلزم وجوبه ، وإنما الأمر بالشيء بعد النهي عنه يُفيد فقط جوازه ، وليس وجوبه ، والأمثلة على ذلك من القرآن معروفة ومذكورة في علم الأصول على اختلاف المذاهب ؛ مثلًا قوله - تعالى - : فإذا حللتم فاصطادوا ، فأمره بالصيد هنا هو رفع للمحظور السابق بالنسبة للمحرم أنَّه لا يصطاد ، كذلك قوله - تعالى - : فإذا قُضيت الصلاة فانتشروا بالأرض وابتغوا من فضل الله ، فهذا الأمر بالانتشار بعد انقضاء الصلاة لا يعني وجوبه ، وإنما يعني جوازه ؛ لأنه مسبوق بقوله بقوله - عز وجل - : إذا نودي للصلاة يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع ، فهذا الأمر الذي يفيد ترك العمل جاء رفعه بقوله - تعالى - : فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض ، فإذا استخدمنا هذه القاعدة الأصولية ورجعنا إلى الحديث على فرض صحته بذات اللفظ ؛ فلا تفعلوا إلا بفاتحة الكتاب ؛ فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب .
فلا تفعلوا نهي ، إلا بفاتحة الكتاب استثناء من النهي فيه الإباحة ولكن من وجوب ، أما الجملة التي بعد ذلك - وهي قوله - عليه الصلاة والسلام - - : فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب هي جملة تعليلية لهذا الحكم ، فإن كان الحكم واجبًا فهو تعليل لهذا الحكم الواجب ، وإن كان الحكم مستحبًّا وهو تعليل لهذا الحكم المستحب ، وإن كان الحكم الجواز فهو - أيضًا - تعليل لهذا الحكم الجائز ، فإذا عُرِفَ هذا كان واضحًا جدًّا أن الحديث لا يدل على وجوب القراءة بالمقتدي وراء الإمام في الصلاة الجهرية ، وإن ما يؤكد هذا أمور أوضحها : أن هذا الحديث الذي فيه ما سبق من العلة قد جاء في " مسند الإمام أحمد " بلفظ يؤكِّد أن هذا الأمر لا يعني الوجوب ، بل يعني الجواز المرجوح ؛ حيث كان لفظه : فلا تفعلوا إلا أن يقرأ أحدكم فاتحة الكتاب ، فقوله : إلا أن يقرأ يعني إن كان ولا بدَّ واحد منكم يريد أن يقرأ فليقرأ بفاتحة الكتاب ؛ لأن الأصل فيها أن لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب .
لهذا كان الرأي الراجح ما ذهب إليه الإمام أحمد - رحمه الله - في هذه المسألة ، وتَبِعَه على ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية من أنَّ المقتدي يجب عليه أن يقرأ بسرية ، وأن يصمت في الجهرية ، ولا يقرأ ما دام أنه يسمع تلاوة القرآن من الإمام ، وبذلك تتجمَّع الأدلة التي يبدو تعارض بينها ، وتسلم من التعارض حينما نضع كلَّ دليل في مكانه المناسب مع ملاحظة ما قد يعارضه ، فينبغي حينَ ذاك التوفيق بين النصوص كما هو معلوم من قواعد علم الأصول ؛ أصول الفقه وأصول الحديث - أيضًا - ، فقد ذكر الحافظ العراقي - رحمه الله - في " شرحه " على " مقدمة ابن الصلاح " في قسم الحديث المختلف ؛ أنه إذا جاء حديثان مختلفان متعارضان في الظَّاهر وجبَ التوفيق بينهما بوجهٍ من وجوه التوفيق الكثيرة التي جاوزت مئة وجه وأكثر - وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته - ، وهذا أمر هام جدًّا ، وإلا وقع طالب العلم في حيصة بيصة ؛ فنحن - مثلًا - نقرأ قوله - تعالى - : حرِّمت عليكم الميتة والدم ، فإذا وقفنا عند هذه الآية ولم نأخذ بما جاءت به الأحاديث من إباحة ميتة البحر والجراد حرَّمنا أكلهما ؛ لأن النَّصَّ القرآني يشملهما حرِّمت عليكم الميتة والدم ؛ إذًا هذه قاعدة من قواعد التوفيق بين النصوص ، وهي التي يُعبَّر عنها بالعام والخاص ، فإذا جاء نصٌّ خاصٌّ يعارض النَّصَّ العام خُصِّص النَّصُّ العام بالنص الخاص .
ولا يشترط ههنا ما يقوله بعض المذاهب من أنه لا يجوز تخصيص النَّص العام القاطع أو المتواتر بالنَّصِّ الخاصِّ الآحاد ، هذا ليس شرطًا ، وإن كان يذكره بعضهم في كتبه الأصولية ، ولكننا نراهم مع ذلك يخالفون أصولهم في بعض التفريعات وفي بعض الفروع التي منها ما نحن فيه الآن ، القاعدة التي قالوها : " لا يجوز تخصيص العام المقطوع ثبوته - والقرآن من ذلك - من حديث الآحاد الظَّنِّي الثبوت " ؛ مع ذلك وافقوا جمهور المسلمين على إباحة ميتة السمك والجراد ؛ مع أن الحديث في ذلك أقل ما يُقال فيه أنه ليس متواترًا ، فقد خصَّصوا المقطوع ثبوته بالمضمون ثبوته ، على هذا يجب التوفيق بين النصوص المتعارضة ، فعندنا الآية الكريمة : وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ... نصٌّ عامٌّ ، يعارضه النَّصُّ العامُّ الآخر : لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب ، هنا عمومان تعارضا ؛ فأيُّ العامَّين يُسلَّط على العام الآخر ؛ آلعامُّ القرآني أم العامُّ الحديثي ؟
لا فرق عندنا بين القرآن وبين الحديث من حيث وجوب العمل بكلٍّ منهما ، والفلسفة التي تُقال فيما ذكرناه آنفًا هذه العلة يُحتجُّ بها عند جماهير العلماء ، بل حتى عند واضعين تلك القاعدة وحيث ما لقوها في كثير من الأمور الأخرى التي تفرَّعت من مخالفة لتطبيق هذه القاعدة ، فلا فرق عندنا بين الآية وبين الحديث من حيث وجوب العمل بكلٍّ منهما ، ولكن هنا عمومان تعارضا ، فأيُّهما يُخصُّص بالآخر ؟ هنا دقَّة الأمر ، إذا نظرنا إلى المذاهب قلنا الحنفية خصَّصوا الحديث بالقرآن ، وكذلك بعض من لا يوجب القراءة بالجهرية ، وعكس الآخرون وقالوا : نحن نخصِّص القرآن بالحديث ، وتكون الحصيلة مختلفة تمامًا ؛ من يخصِّص الآية بالحديث فمعناها كالتالي : فاستمعوا له إلا بقراءة الفاتحة وراء الإمام ، ومن عكس ذلك يقول : لا صلاة لمن لم يقرأ فاتحة الكتاب إلا من كان يسمع قراءة الفاتحة بإتقان ؛ فعليه الصمت والسكوت ، ولكلٍّ وجهة هو مولِّيها فاستبقوا الخيرات ، وإنما القضية بَقَى النظر الدقيق في ترجيح أحد المذهبين على الآخر والذي رأيناه ... يطرأ عليه تخصيص ما حينئذٍ يُخصَّص به النَّصُّ العامُّ المُخصَّص بغيره ، ولا يجوز تخصيص العام الذي لم يُخصَّص مطلقًا بالنَّصِّ العام الذي خُصِّص بغيره ، هذا كلام دقيق جدًّا ، لكن قد يحتاج إلى توضيح بمثال .
هو مثال الآن بين أيدينا ... .
الشيخ : هو كذلك ، لأنه إما أن يرويه بواسطة وهي مجهولة ، أظن اسمه نافع ، وإما أن يُسقطه فهو تدليس ، ولذلك فحديثه مُعلَّل تارةً بالعنعنة ، وتارةً بالجهالة ، يُضاف إلى ذلك أنَّ متنه لا يدل على وجوب قراءة الفاتحة بالنسبة للمقتدي ؛ ذلك لأنَّ الأمر بالشيء بعد النهي عنه لا يستلزم وجوبه ، وإنما الأمر بالشيء بعد النهي عنه يُفيد فقط جوازه ، وليس وجوبه ، والأمثلة على ذلك من القرآن معروفة ومذكورة في علم الأصول على اختلاف المذاهب ؛ مثلًا قوله - تعالى - : فإذا حللتم فاصطادوا ، فأمره بالصيد هنا هو رفع للمحظور السابق بالنسبة للمحرم أنَّه لا يصطاد ، كذلك قوله - تعالى - : فإذا قُضيت الصلاة فانتشروا بالأرض وابتغوا من فضل الله ، فهذا الأمر بالانتشار بعد انقضاء الصلاة لا يعني وجوبه ، وإنما يعني جوازه ؛ لأنه مسبوق بقوله بقوله - عز وجل - : إذا نودي للصلاة يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع ، فهذا الأمر الذي يفيد ترك العمل جاء رفعه بقوله - تعالى - : فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض ، فإذا استخدمنا هذه القاعدة الأصولية ورجعنا إلى الحديث على فرض صحته بذات اللفظ ؛ فلا تفعلوا إلا بفاتحة الكتاب ؛ فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب .
فلا تفعلوا نهي ، إلا بفاتحة الكتاب استثناء من النهي فيه الإباحة ولكن من وجوب ، أما الجملة التي بعد ذلك - وهي قوله - عليه الصلاة والسلام - - : فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب هي جملة تعليلية لهذا الحكم ، فإن كان الحكم واجبًا فهو تعليل لهذا الحكم الواجب ، وإن كان الحكم مستحبًّا وهو تعليل لهذا الحكم المستحب ، وإن كان الحكم الجواز فهو - أيضًا - تعليل لهذا الحكم الجائز ، فإذا عُرِفَ هذا كان واضحًا جدًّا أن الحديث لا يدل على وجوب القراءة بالمقتدي وراء الإمام في الصلاة الجهرية ، وإن ما يؤكد هذا أمور أوضحها : أن هذا الحديث الذي فيه ما سبق من العلة قد جاء في " مسند الإمام أحمد " بلفظ يؤكِّد أن هذا الأمر لا يعني الوجوب ، بل يعني الجواز المرجوح ؛ حيث كان لفظه : فلا تفعلوا إلا أن يقرأ أحدكم فاتحة الكتاب ، فقوله : إلا أن يقرأ يعني إن كان ولا بدَّ واحد منكم يريد أن يقرأ فليقرأ بفاتحة الكتاب ؛ لأن الأصل فيها أن لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب .
لهذا كان الرأي الراجح ما ذهب إليه الإمام أحمد - رحمه الله - في هذه المسألة ، وتَبِعَه على ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية من أنَّ المقتدي يجب عليه أن يقرأ بسرية ، وأن يصمت في الجهرية ، ولا يقرأ ما دام أنه يسمع تلاوة القرآن من الإمام ، وبذلك تتجمَّع الأدلة التي يبدو تعارض بينها ، وتسلم من التعارض حينما نضع كلَّ دليل في مكانه المناسب مع ملاحظة ما قد يعارضه ، فينبغي حينَ ذاك التوفيق بين النصوص كما هو معلوم من قواعد علم الأصول ؛ أصول الفقه وأصول الحديث - أيضًا - ، فقد ذكر الحافظ العراقي - رحمه الله - في " شرحه " على " مقدمة ابن الصلاح " في قسم الحديث المختلف ؛ أنه إذا جاء حديثان مختلفان متعارضان في الظَّاهر وجبَ التوفيق بينهما بوجهٍ من وجوه التوفيق الكثيرة التي جاوزت مئة وجه وأكثر - وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته - ، وهذا أمر هام جدًّا ، وإلا وقع طالب العلم في حيصة بيصة ؛ فنحن - مثلًا - نقرأ قوله - تعالى - : حرِّمت عليكم الميتة والدم ، فإذا وقفنا عند هذه الآية ولم نأخذ بما جاءت به الأحاديث من إباحة ميتة البحر والجراد حرَّمنا أكلهما ؛ لأن النَّصَّ القرآني يشملهما حرِّمت عليكم الميتة والدم ؛ إذًا هذه قاعدة من قواعد التوفيق بين النصوص ، وهي التي يُعبَّر عنها بالعام والخاص ، فإذا جاء نصٌّ خاصٌّ يعارض النَّصَّ العام خُصِّص النَّصُّ العام بالنص الخاص .
ولا يشترط ههنا ما يقوله بعض المذاهب من أنه لا يجوز تخصيص النَّص العام القاطع أو المتواتر بالنَّصِّ الخاصِّ الآحاد ، هذا ليس شرطًا ، وإن كان يذكره بعضهم في كتبه الأصولية ، ولكننا نراهم مع ذلك يخالفون أصولهم في بعض التفريعات وفي بعض الفروع التي منها ما نحن فيه الآن ، القاعدة التي قالوها : " لا يجوز تخصيص العام المقطوع ثبوته - والقرآن من ذلك - من حديث الآحاد الظَّنِّي الثبوت " ؛ مع ذلك وافقوا جمهور المسلمين على إباحة ميتة السمك والجراد ؛ مع أن الحديث في ذلك أقل ما يُقال فيه أنه ليس متواترًا ، فقد خصَّصوا المقطوع ثبوته بالمضمون ثبوته ، على هذا يجب التوفيق بين النصوص المتعارضة ، فعندنا الآية الكريمة : وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ... نصٌّ عامٌّ ، يعارضه النَّصُّ العامُّ الآخر : لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب ، هنا عمومان تعارضا ؛ فأيُّ العامَّين يُسلَّط على العام الآخر ؛ آلعامُّ القرآني أم العامُّ الحديثي ؟
لا فرق عندنا بين القرآن وبين الحديث من حيث وجوب العمل بكلٍّ منهما ، والفلسفة التي تُقال فيما ذكرناه آنفًا هذه العلة يُحتجُّ بها عند جماهير العلماء ، بل حتى عند واضعين تلك القاعدة وحيث ما لقوها في كثير من الأمور الأخرى التي تفرَّعت من مخالفة لتطبيق هذه القاعدة ، فلا فرق عندنا بين الآية وبين الحديث من حيث وجوب العمل بكلٍّ منهما ، ولكن هنا عمومان تعارضا ، فأيُّهما يُخصُّص بالآخر ؟ هنا دقَّة الأمر ، إذا نظرنا إلى المذاهب قلنا الحنفية خصَّصوا الحديث بالقرآن ، وكذلك بعض من لا يوجب القراءة بالجهرية ، وعكس الآخرون وقالوا : نحن نخصِّص القرآن بالحديث ، وتكون الحصيلة مختلفة تمامًا ؛ من يخصِّص الآية بالحديث فمعناها كالتالي : فاستمعوا له إلا بقراءة الفاتحة وراء الإمام ، ومن عكس ذلك يقول : لا صلاة لمن لم يقرأ فاتحة الكتاب إلا من كان يسمع قراءة الفاتحة بإتقان ؛ فعليه الصمت والسكوت ، ولكلٍّ وجهة هو مولِّيها فاستبقوا الخيرات ، وإنما القضية بَقَى النظر الدقيق في ترجيح أحد المذهبين على الآخر والذي رأيناه ... يطرأ عليه تخصيص ما حينئذٍ يُخصَّص به النَّصُّ العامُّ المُخصَّص بغيره ، ولا يجوز تخصيص العام الذي لم يُخصَّص مطلقًا بالنَّصِّ العام الذي خُصِّص بغيره ، هذا كلام دقيق جدًّا ، لكن قد يحتاج إلى توضيح بمثال .
هو مثال الآن بين أيدينا ... .
الفتاوى المشابهة
- ما حكم قراءة المأموم الفاتحة في الصلاة الجهرية... - الالباني
- ما الجواب على مَن يستدل بحديث النبي - صلى الله... - الالباني
- هل صحيح أن عموم : ( لا يقرأ خلف الإمام في الصل... - الالباني
- ما معنى حديث : ( لا تفعلوا إلا بأمِّ القرآن )... - الالباني
- قراءة الفاتحة في الصلاة - ابن عثيمين
- قراءة حديث عبادة بن الصامت: ( لا صلاة لمن لم ي... - الالباني
- حكم قراءة الفاتحة في الصلاة - ابن عثيمين
- حديث : ( لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب ) ،... - الالباني
- الجمع بين قوله تعالى : (( وإذا قرئ القرآن ...... - الالباني
- هل حديث عبادة بن الصامت : ( لا صلاة لمن لم يقر... - الالباني
- حديث رافع في قراءة المؤمن الفاتحة ، هل هو مُعل... - الالباني