تم نسخ النصتم نسخ العنوان
حدثنا محمد بن سلام أخبرنا عبد الله عن عبيد ا... - ابن عثيمينالقارئ : حدثنا محمد بن سلام، أخبرنا عبد الله، عن عبيد الله بن عمر، عن خبيب بن عبد الرحمن، عن حفص بن عاصم، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال...
العالم
طريقة البحث
حدثنا محمد بن سلام أخبرنا عبد الله عن عبيد الله بن عمر عن خبيب بن عبد الرحمن عن حفص بن عاصم عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( سبعة يظلهم الله يوم القيامة في ظله يوم لا ظل إلا ظله إمام عادل وشاب نشأ في عبادة الله ورجل ذكر الله في خلاء ففاضت عيناه ورجل قلبه معلق في المسجد ورجلان تحابا في الله ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال إلى نفسها قال إني أخاف الله ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما صنعت يمينه )
الشيخ محمد بن صالح العثيمين
القارئ : حدثنا محمد بن سلام، أخبرنا عبد الله، عن عبيد الله بن عمر، عن خبيب بن عبد الرحمن، عن حفص بن عاصم، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال : "سبعة يظلهم الله يوم القيامة في ظله، يوم لا ظل إلا ظله : إمام عادل، وشاب نشأ في عبادة الله، ورجل ذكر الله في خلاء ففاضت عيناه، ورجل قلبه معلق في المسجد، ورجلان تحابا في الله، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال إلى نفسها، قال: إني أخاف الله، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما صنعت يمينه".

الشيخ : فضل من ترك الفواحش ظاهر من الحديث، وهو قوله : "ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال إلى نفسها، قال : إني أخاف الله".
هؤلاء السبعة ليسوا أشخاصا بل هم أجناس، قد يتصف بالصفة الواحدة ملايين الناس، فالمراد سبعة أصناف.
الأول : إمام عادل، وبدأ به لأنه أشدهم وأشقهم عملا، وأنفعهم للخلق إذا اتصف بالعدالة.
وقوله عليه الصلاة والسلام : "يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله" فهم بعض الناس من هذا الحديث فهما خاطئا ، وقالوا : إن المراد : بظله ، ظل نفسه عز وجل، وهذا منكر عظيم، لو تدبره القائل به ما مشى حوله، لأنه من المعلوم أن الناس في الأرض، وأن من يظلك عن شيء إنما يظلك عن شيء فوقه، ويلزم من هذا التأويل الفاسد الخاطئ أن يكون الله فوقه شيء، وتكون نفسه المقدسة حائلا بين هذا الشيء وبين الناس، وإذا قلنا إن الظل من الشمس والشمس تدنو من الخلائق قدر ميل صار الله على هذا التأويل نازلا جدا أقرب إلى الناس من الميل ، وهو يظلهم كالسحابة بينهم وبين الشمس، وهذا منكر، وهذا أخذ بالظاهر الظاهر بطلانه.
والمراد بالظل هنا ظله الذي يخلقه عزوجل، يخلق ظلا من أي مادة كانت ما نعرف، لأن ظل الدنيا نوعان : ظل من الله وظل من الخلق، فإذا بنى الإنسان عريشا فالذي يستظل به يستظل بظل الآدمي الذي صنعه الآدمي، وظل السحاب ظل الله، لا يصنعه الخلق.
يوم القيامة ليس هناك ظل للبشر، لا يستطيع أحد أن يبني ظلا، بل الظل ظل الله عز وجل.
وقد ورد في حديث لكنه ضعيف : "يظلهم الله في ظل عرشه" لكنه ضعيف أيضا، لأن الشمس تدنو من الخلائق بقدر ميل، والعرش فوق جميع المخلوقات ، وليس فوقه شمس حتى يظل الناس منها.
فالصواب أن المراد بالظل هنا الظل الذي يخلقه الله عز وجل لا يصنعه الناس.
"إمام عادل" لا بأس أن نشرح الحديث لأنه مهم.
عادل في شرع الله وعادل في عباد الله، عادل في شرع الله لا يحكم غيره، ولا ينتهج سواه، ويضرب بما خالفه عرض الحائط، هذا عادل، عادل في إيش ؟ في شرع الله، لأن من أدخل شرعا غير شرع الله مزاحما لشرع الله أو غالبا على شرع الله فإنه لم يعدل لقول الله تعالى : { ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون }.
عادل في عباد الله، لا يحابي قريبا لقربه، ولا شريفا لشرفه، ولا ذا جاه لجاهه، لو أن ابنته سرقت لقطع يدها.
فإذا وجد هذا الإمام العادل في شريعة الله العادل في عباد الله فإن الأمور ستستقيم.
واضرب مثلا بعمر بن عبد العزيز رحمه الله ، فإن من سبقه كان في وقتهم الخوف والفتن والقلاقل، وذلك لعدم عدلهم إما في شرع الله وإما في عباد الله، ولما تولى رحمه الله لم يمكث في الحكم إلا سنتين وأشهرا ، ومع ذلك حصل في وقته من الأمن ورجوع كثير من الخوارج عن رأيهم ما لم يحصل بعشرات السنين ح لأنه رحمه الله إمام عادل، حتى إن بعض العلماء جعله أحد الخلفاء، وقال إن الخلفاء الراشدين خمسة، من هم ؟ الأربعة المعروفون، وعمر بن عبد العزيز.
فالإمام العادل تتم له الأمور وتستقيم، كما يدين يدان، وإذا انحرف الإنسان عن شرع الله أو انحرف في الحكم بين عباد الله نقص من استقامة الأمور له بقدر ما انحرف جزاء وفاقا.
ولو أن حكام المسلمين اليوم استيقظوا ورجعوا إلى الرشد ، لعلموا أنهم لو حكموا بالعدل على ما قلنا في شريعة الله وفي عباد الله لاستتبت لهم الأمور داخلا وخارجا ، ولصاروا مقام الهيبة بقوة القرآن وبقوة السلطان، بقوة القرآن بما عندهم من شريعة الله، وبقوة السلطان لأنهم سوف يمتثلون قول الله تعالى : { وأعدوا لهم ما استطعتم من قوه } وليست في المسلمين نقص في العدد الآن، العدد كثير، لكنهم غثاء كغثاء السيل، غالب ولاتهم لا يريدون إلا السيطرة والبقاء في رئاساتهم ، ولا يهمهم شيء وراء ذلك، وشعوبهم كذلك ليسوا على المستوى ، بل هم كما كانوا ولي عليهم جزاء وفاقا.
فالحاصل أن الإمام العادل بدأ به النبي عليه الصلاة والسلام لأن بعدله تستقيم الأمة جميعا.
ثم قال : "شاب نشأ في طاعة الله" خص الشاب لأن الشباب له نزوة بل نزوات، ولا أحد ينكر ما في الشباب من النزوات والأفكار ، يصبح على فكر ويمسي على فكر، وكل أحد يمكن أن يجتذبه إما بصورته أو بصوته أو ببيانه أو بأعماله الظاهرية.
إما بصورته يعني هيئته، يعني يجد شخصا مظهره مظهر المتدين الخاشع، فيغتر به، وهو السم الناقع، وكم من شباب اغتروا بأمثال هؤلاء، يتظاهرون بالصلاح والإصلاح وينوحون على العصر وعلى أهل العصر وعلى ولاة العصر ، لأجل إفساد أهل العصر، لكن الشاب شاب ليس هناك عقل راسخ حتى يعرف ما يضره وما ينفعه، فيغتر بهؤلاء.
يغتر بصوته، تجده عندما يخطب كأنه منذر جيش يقول : صبحكم ومساكم، ارتفاع صوت، اهتزاز بدن، انفعال، فيقول هذا الرجل الذي لا تأخذه في الله لومة لائم فيغتر به.
يغتر ببيانه أي فصاحته وأسلوبه بما يزخرفه له من البيان وتنسيق الكلام بعضه مع بعض ، والإتيان بالمقدمات والنتائج حتى يظن أن قوله وحي ينزل عليه.
فالمهم أن الشاب إذا تخلص من هذا كله ونشأ في عبادة الله واتجه إلى الله ، وصار يمشى على هدى من الله، فإن هذا هو الشاب الذي يظله الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله.
والغالب أن الله عز وجل لا يخيب سعيه ، إذا نشأ من صغره في عبادة الله الغالب أن الله يثبته ويبقيه على ما هو عليه ، لأنه عز وجل أكرم من العامل ، "من تقرب إليه شبرا تقرب إليه ذراعا ، ومن تقرب إليه ذارعا تقرب إليه باعا ، ومن أتاه يمشى أتاه هرولة"، فهو بحكمته ورحمته يبعد أن شابا نشأ في عبادة الله حقا ورسخ الإيمان في قلبه أن يزله أو يزيغه بعد إذ هداه.
الثالث : رجل ذكر الله ففاضت عيناه، وفي رواية : "خاليا" فهل الخلو هنا خلو البدن أو خلو الفكر أو هما جميعا ؟ خلو البدن بمعنى أنه ليس عنده أحد من الناس حتى يرائيه بالبكاء، خاليا ليس عنده أحد من الناس حتى يرائيه بالبكاء .
أو خلو الفكر بمعنى أن قلبه متفرغ غاية التفرغ لله عز وجل، والغالب أن العين لا تفيض إلا إذا كان خالي الفكر أي في تلك الساعة التي يذكر الله عز وجل وقلبه متفرغ تماما لذكر الله ، فهذا هو الذي يدنو منه فيضان العين.
أما الذي يذكر الله ولكن قلبه في وادي كما هي حالنا نسأل الله أن يعاملنا بعفوه، يذكر الله وقلبه في واد بعيد عن محل الذكر وعن زمنه وعن حاله، فهذا في الغالب لا تفيض عيناه، وجرب نفسك، تأتيك ساعات من الساعات تكون خاليا تقرأ القرآن فتفيض عينك ويخشك بدنك، وفي حال من الاحوال تقرأ نفس الآيات وكأنها تمر على صفاة ما تتأثر .

الشيخ : ... في الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله : إمام عادل ، وشاب نشأ في عبادة الله، والثالث رجل ذكر الله في خلاء ففاضت عيناه .
الرابع قال : "ورجل قلبه معلق بالمساجد" يعني متعلقا بها، والمساجد يحتمل أن يكون المراد بها مكان السجود التي هي المساجد المعروفة.
ويحتمل أن يكون المراد بالمساجد يعني السجود يعني بالصلوات، وذلك لأن كلمة مسجد قد تكون مصدرا ميميا ، وقد تكون اسم مكان، وقد تكون اسم زمان ، كما هو معروف في اللغة العربية.
فالحديث يحتمل هذا وهذا، ولكن قد يقول قائل : إن المتبادر أن المراد به المساجد التي هي أمكنة الصلوات ، أي من شدة رغبته في الخير والصلاة خصوصا يكون قلبه متعلقا بمكانها.
وأما الخامس : قال : "رجلان تحابا في الله" تحابا : أي تبادلا المحبة لا لمال ولا لجاه ولا لقرابة ولكن في الله عز وجل، يعني الذي حمل هذا أن يحب هذا هو ما عنده من عبادة الله سبحانه وتعالى فيحبه، ما عنده مثلا من نفع الخلق بالمال أو بالعلم أو ما أشبه ذلك فيحبه، لو سئل لماذا أحببت فلانا ؟ هل هو لماله أو حسبه أو قرابته أو ما أشبه ذلك ؟ .
قال : لا ، أنا لا أحبه إلا في الله، فهذان المتحابان في الله يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، وفي بعض ألفاظ الحديث هذا : "اجتمعا عليه وتفرقا عليه" أي أن المودة بينهما كانت إلى الممات من حين اجتمعا إلى أن ماتا.
السادس : "رجل دعته امرأة ذات منصب وجمال إلى نفسها، قال : إني أخاف الله" إلى نفسها أي إلى جماعها، وهي ذات منصب وجمال ، أي أنها جميلة الصورة شريفة النسب لأنها ذات منصب، ليست من النساء السوقة أو المبذولات، وليست من النساء الدميمات، بل هي امرأة جميلة وامرأة ذات شرف بحيث لا يعد الاتصال بها سفلا لأنها شريفة.
"فقال : إني أخاف الله"، يعني لم يمنعه من ذلك إلا خوف الله، فليس هناك أحد من البشر يخشى منه أن يطلع على فعله، وليس هناك ضعف في قوته بل هو قادر على أن ينفذ لكن الذي منعه خوف الله عز وجل مع قوة الداعي الداخلي والخارجي لكن منعه خوف الله، قوة الداعي الخارجي هو كون المرأة ذات منصب وجمال، والداخلي كون الرجل عنده قوة وقدرة على الجماع ، ومع ذلك قال : إني أخاف الله ، لم يمنعه إلا الخوف.
وأما السابع : "رجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما صنعت يمينه" وهذا لكمال إخلاصه ، تصدق بصدقة فلم يطلع عليها أحد حتى لو كانت شماله ذات إرادة أو علم مستقل ما علمت ما أنفقت اليمين أو ما صنعت اليمين، وقيل معناه : حتى لا يعلم من في شماله ما أنفقته يمينه لكن الأول أبلغ ، لأن الشمال جزء من البدن المتصدق ومع ذلك لا تعلم وهذا أشد وأبلغ في الإخفاء.
إذا نظرنا في هذا الحديث وجدناه يشتمل على معاني، لماذا كان هؤلاء ممن يظلهم الله في ظله ؟
فالأول لكمال عدله وهو الإمام العادل.
والثاني لكمال عبادته ونشأته الصالحة.
والثالث لكمال إخلاصه وتعلقه بالله عز وجل.
والرابع لكمال حبه للمساجد وما يكون فيها من ذكر الله.
والخامس لكمال ولايته في الله وأنه لا يوالي إلا أولياء الله.
والسادس لكمال عفته.
والسابع لكمال إخلاصه وبعده عن الرياء.
أظهر مثل ينطبق على قوله : "ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال" من ؟ .
يوسف عليه الصلاة والسلام، فإنه دعته امرأة العزيز وهي ذات منصب وجمال وليس عندهما أحد ومع ذلك امتنع، { ولقد همت به وهم بها لولا أن رأى برهان ربه } يعني معناه أنه لقوة الداعي حصل الهم ولكن صار المانع أقوى ، وهو أنه رأى برهان الله فامتنع، ولبعض المفسرين هنا كلام مرفوض ، فالصواب ما ذكرناه أن الهم وقع ، ولكن قوة المانع صار أغلب من قوة الجالب والدافع فخاف الله.
ومن ذلك أيضا أحد الثلاثة الذين أخبر عنهم النبي عليه الصلاة والسلام الذين انطبق عليهم الغار، فإنه لما جلس من ابنة عمه مجلس الرجل من أهله قالت له : اتق الله ولا تفض الخاتم إلا بحقه، وهي أحب الناس إليه، قام وهي أحب الناس إليه ، خوفا من الله عز وجل.

Webiste