تفسيرقول الله تعالى : << يآأيها الذين ءامنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برءوسكم .....>>.
الشيخ محمد بن صالح العثيمين
ثم قال الله عز وجل: يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق ... الخطاب في قوله: يا أيها الذين آمنوا سبق لنا الكلام عليه عدة مرات فلا حاجة إلى إعادة هنا . وقوله: إذا قمتم إلى الصلاة أي إذا أردتم إلى الصلاة، ولا يشترط أن يقوم الإنسان على قدميه بل متى أراد وإن كان قاعدا فإنه يلزمه ما أمر الله به . وقوله: إلى الصلاة الصلاة عبادة معلومة مفتتحة بالتكبير مختتمة بالتسليم ، هكذا قال العلماء في تعريفها ، أنها عبادة معلومة ولم يذكروا كيفيتها لأنها يعلمها الخاص والعام ، مفتتحة بالتكبير ومختتمة بالتسليم ، فقوله مفتتحة بالتكبير هذا فصل يخرج ما عدى الصلاة ، لأن جميع العبادات التي سوى الصلاة ما فيها افتتاح بالتكبير ، ومختتمة بالتسليم أيضا تخرج ما يبتدأ بالتكبير ولا يختم بالتسليم الطواف بالبيت على أن ابتداء الطواف بالتكبير ليس بركن لكنه من المندوبات ، لكنه يخرج بقولنا: مختتمة بالتسليم فإن الطواف لا يختتم بالتسليم ، وهذا مما يدل على أن الأحاديث المروية مرفوعا إلى الرسول عليه الصلاة والسلام أن الطواف بالبيت لا يصح مرفوعا إنما هو عن ابن عباس رضي الله عنهما وهو لا يصح طردا ولا عكسا ، ولهذا كان قول الراجح أن الطواف لا تشترط له الطهارة لأنه لا يدخل في الصلاة ولا يمكن أن يدخل في هذه الآية لأنه ليس بصلاة وإذا تبين من الحديث المرفوع الذي هو في الحقيقة موقوف إذا تبين أنه لا ينطبق نعم لا يصح طردا ولا عكسا تبين أنه لا يشترط له الطهارة . ألا يقول قائل: الصلاة في اللغة الدعاء ؟ ويكون المراد إلى كنتم إلى الدعاء ؟ قلنا: لا، ما ثبت أنه نقل عن معناه اللغوي إلى معنى شرعي فإنه إذا ورد في لسان الشرع يحمل على الحقيقة الشرعية يعني على معنى الشرع ، ولهذا قال الرسول عليه الصلاة والسلام: لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ هل نقول المعنى لا يقبل الله دعاء أحدكم ؟ لا ، لا أحد يقول بذلك مع أن الصلاة في اللغة الدعاء، لكن نقول الحقائق اللغوية إذا نقلت إلى حقائق شرعية وجب أن تحمل على الحقائق الشرعية في لسان الشارع . فاغسلوا وجوهكم الغسل معروف هو إمرار الماء جريا على العضو ، أن يمر الماء عليه جريا يعني يجري عليه احترازا من المسح على العضو، والوجوه جمع الوجه وأظن عقيل يعرفه ؟ أي نعم معروف ؟ وإنما سمي وجها لأنه تحصل به المواجهة وهو وجه أيضا من وجه آخر أنه وجه القلب ، فالإنسان يعرف ما في قلبه مما في وجهه ، ولهذا إذا سر الإنسان استنار وجهه وإذا غم انقبض وجهه، فهو تحصل به المواجهة الحسية وهو وجه للقلب حقيقة لأنه ينبئ عما في القلب . فما هو الوجه ؟ يعني قلنا ما تحصل به المواجهة وحده العلماء بأنه عرضا من الأذن إلى الأذن ، فالبياض الذي يكون بين العرض والأذن يعتبر من الوجه ، وأما طولا فإنه من منحن الجبهة إلى أسفل اللحية ، وهذا الضابط من منحن إلى الجبهة أقرب من قول بعضهم: من منابت شعر الرأس ، لأنك إذا قلت من منابت شعر الرأس لزم أن تقول المعتاد ليخرج الأفرع والأنزع يعني بعض الناس تنزل منابت شعره إلى الجبهة وبعض الناس ترتفع في الناصي ، لكن إذا جعلنا الضابط هو منحن الجبهة صار هذا أدق من وجه وأيضا هو المطابق للواقع لأن الذي يواجه الناس عند اللقاء هو ما دون المنحن أما ما وراءه فهو مواجه للسماء فوق . مسترسل اللحية هل يكون من الوجه أو لا ؟ من أهل العلم من قال إنه من الوجه ، وعلى هذا فإذا كان للإنسان لحية طويلة فإنه داخل في الوجه ، وقال بعض العلماء إن المسترسل من اللحية ليس من الوجه وذلك لأنه في حكم المنفصل ، لأن لدينا ثلاثة أشياء في جسد الإنسان في حكم المنفصل: الشعر والظفر والسن ، هذه في حكم المنفصل ، فيقولون مادام ذلك في حكم المنفصل فإنه لا يدخل في حد الوجه ، ولكن الصحيح أنه يدخل في حد الوجه لأنه تحصل به المواجهة ولأنه قد روي عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في حديث إسناده حسن أنه كان يخلل لحيته في الوضوء . فإذا قال قائل: هذا فعل والفعل لا يدل على الوجوب ؟ قلنا هو لا يدل على الوجوب في الأصل لكن إذا وقع مبينا لمنطوق صار له حكم ذلك المنطوق. وقوله: وأيديكم إلى المرافق أيدي جمع يد، أيديكم إلى المرافق انتبه ! هنا قيد اليد لأنها إلى المرافق فيجب أن تغسل اليد من أطراف الأصابع إلى المرفق ، والمرفق هو مفصل العضد من الذراع وسمي مرفقا لأن الإنسان يرتفق به أي يتكئ عليه . وقوله: إلى المرافق قال العلماء إلى هنا بمعنى مع، وإنما أولوها إلى مع لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ثبت عنه أنه إذا توضأ غسل مرفقيه فتكون السنة مبينة للقرآن ، ثم استدلوا بأن لهذا نظيرا في القرآن مثل قوله تعالى: ولا تأكلوا أموالهم يعني أموال اليتامى إلى أموالكم ولكن الاستشهاد بهذا الشاهد فيه نظر ، المهم الذي بين أن منتهى الغاية هنا داخل هي السنة . قال: وامسحوا برؤوسكم امسحوا المسح هو إمرار اليد على الممسوح ، لكن من المعلوم أن المراد امسحوها بالماء ، امسحوا الرؤوس بالماء ، ولهذا زعم بعض العلماء أن في الآية قلبا وأن المعنى: امسحوا رؤوسكم بالماء ، ونحن نقول إن الباء ليست لتعدية الفعل بالباء ولكنها مفيدة لمعنى زائد على المسح وهو الإلصاق . والاستيعاب أيضا ، الإلصاق والاستيعاب وإن كان دلالة مسألة الإلصاق واضحة لكن الاستيعاب لأن الباء تدل على الاستيعاب ولهذا قلنا إن قوله تعالى: وليطوفوا بالبيت العتيق تدل على وجوب الاستيعاب البيت بالطواف لأن الباء لاستيعاب . وقوله: برؤوسكم ما حد الرأس ؟ الرأس ما ترأس . وما هو العضو المترأس على البدن كله ؟ هو ما بين المفصل الرأس والرقبة ، وعلى هذا الرقبة لا تدخل في الرأس لأنها عضو مستقل ، ثم إذا أخرجت من الرأس ـ نحن قلنا الرأس ما ترأس ـ إذا أخرجت منه الوجه بقي ما سوى الوجه مما ترأس . وهل يدخل في ذلك الأذنان ؟ الجواب نعم يدخل في ذلك الأذنان ، أولا لأن الاشتقاق يدل على دخولهما ، وثانيا أنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه كان يمسح بأذنيه .
الفتاوى المشابهة
- معنى قوله تعالى:" وامسحوا برؤوسكم ". - ابن عثيمين
- معنى قوله تعالى:" وأيديكم إلى المرافق ". - ابن عثيمين
- أدلة المسح على الخفين. - ابن عثيمين
- تفسير قوله تعالى:" يا أيها الذين آمنوا إذا ق... - ابن عثيمين
- تفسير قوله تعالى: (وامسحوا برءوسكم) - ابن عثيمين
- باب فضل الوضوء: قال الله تعالى: (( يا أيها ا... - ابن عثيمين
- تفسير قوله تعالى: (وأيديكم إلى المرافق) - ابن عثيمين
- شرح قول المصنف :" فروضه ستة غسل الوجه والفم... - ابن عثيمين
- تفسير قوله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا إذا... - ابن عثيمين
- باب : ما جاء في الوضوء ، وقول الله تعالى : (... - ابن عثيمين
- تفسيرقول الله تعالى : << يآأيها الذين ءامنوا... - ابن عثيمين