تم نسخ النصتم نسخ العنوان
تتمة فوائد قوله تعالى : (( أم يقولون افترى ع... - ابن عثيمينهو قدح في القرآن لأنه على زعمهم كلام مفترى من عند الرسول صلى الله عليه وسلم ولقد قالوا :  إنما يعلمه بشر  فقال الله تعالى:  لسان الذي يلحدون إليه أعجمي ...
العالم
طريقة البحث
تتمة فوائد قوله تعالى : (( أم يقولون افترى على الله كذبا فإن يشإ الله يختم على قلبك ويمح الله الباطل ويحق الحق بكلماته إنه عليم بذات الصدور )) .
الشيخ محمد بن صالح العثيمين
هو قدح في القرآن لأنه على زعمهم كلام مفترى من عند الرسول صلى الله عليه وسلم ولقد قالوا : إنما يعلمه بشر فقال الله تعالى: لسان الذي يلحدون إليه أعجمي وهذا لسان عربي مبين ، قدح في الرسول صلى الله عليه وسلم أن يجعل أصدق الخلق في مقام المفتري على من ؟ على الله، والافتراء على الله أشد من الافتراء على غيره ولهذا قال عز وجل : ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا .
ومن فوائد الآية : إثبات المشيئة لله عز وجل تؤخذ من قوله : فإن يشأ الله يختم . وهل مشيئة الله مجردة عن الحكمة أو لا يشاء شيئا إلا لحكمة ؟ الثاني : لقول الله تعالى: وما تشاءون إلا أن يشاء الله إن الله كان عليما حكيما فبين أنه عز وجل له المشيئة التامة وأردف ذلك بقوله : إن الله كان عليما حكيما ليتبين أن مشيئة الله سبحانه وتعالى ليست مجرد مشيئة عبثا ولكن لحكمة .
ومن فوائد هذه الآية الكريمة : أن النبي صلى الله عليه وسلم مربوب لله يفعل به ما شاء، تؤخذ من: فإن يشأ الله يختم على قلبك نعم .
من فوائد هذه الآية الكريمة : أن القلب محل الإدراك والعقل والتصرف لقوله : يختم على قلبك فدل هذا على أن مدار التصرف كله على القلب .
ومن فوائد الآية الكريمة : أن الطبع على القلب عقوبة سواء كان طبعا على العلم أو طبعا على القصد والإرادة، فإنه عقوبة بلا شك، ولهذا كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: اللهم مقلب القلوب ثبت قلوبنا على طاعتك، اللهم يا مصرف القلوب صرف قلوبنا إلى طاعتك فالإنسان يجب ألا يعتمد على ما في قلبه من اليقين فإن هذا ربما يزول، بل عليه أن يسأل الله دائما التثبيت، يؤخذ من قوله : فإن يشأ الله يختم على قلبك .
من فوائد الآية الكريمة: حسن أدلة القرآن الكريم حيث استدل بأمر واضح على ما زعمه هؤلاء، وهو أنه لو شاء الله أن يفتري الرسول صلى الله عليه وسلم على الله كذبا لختم على قلبه وأنساه ما عنده، ثم محا الله الباطل الذي افتراه ثم أحق الحق بكلماته .
ومن فوائد هذه الآية الكريمة : أن الله تعالى لا يقر على باطل، يمحوا الله الباطل فلا يمكن أن يقر الله تعالى على باطل، ويتفرع على هذه الفائدة فائدة عظيمة وهي:
ما فعل في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولم نعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم اطلع عليه فهل نحكم بجوازه لأن الله اطلع عليه وسكت عنه، أو لا نحكم به حتى نعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم علمه ؟ الأول، لأن الله لا يقر على باطل، والوحي ما زال ينزل، ولهذا يخطئ بعض العلماء رحمهم الله إذا استدل بما وقع في عهد النبي صلى الله عليه وسلم يقولون : إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعلم فنقول : هب أنه لم يعلم فإن الله قد علم، مثال ذلك قال بعض أهل العلم : إنه لا يصح أن يكون الإمام متنفلا والمأموم منفردا، يعني لا يصح أن يصلي الفجر خلف من يصلي النافلة، هذا هو المذهب عندنا قيل لهم : هذا قول مردود لأن معاذ بن جبل كان يصلي صلاة العشاء مع النبي صلى الله عليه وسلم ثم يذهب إلى قومه فيصلي به تلك الصلاة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، قالوا : لا حجة في هذا لأننا لم نعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم اطلع عليه، فالجواب: إذا لم يطلع عليه اطلع الله عليه، ولو كان باطلا عند الله لبينه، كما بين حال الذين يبيتون ما لا يرضى من القول ويكتمونه عن الناس فقال : يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله وهو معهم إذ يبيتون ما لا يرضى من القول .
إذا دفعنا شبهة هؤلاء الذين قالوا : لعل النبي صلى الله عليه وسلم لم يعلم بأن الله علمه ولو كان باطلا لم يقره، على أننا نقول : يبعد أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعلم به ومعاذ قد شكي إلى الرسول صلى الله عليه وسلم بأنه يطيل في الصلاة، لكن نريد أن نتنزل مع الخصم ونقول: هب أن النبي لم يعلم به فإن الله قد علم به .
ومن فوائد الآية الكريمة : أنه لا يمكن أن يمكن الله تعالى لأحد كافر تمكينا مطلقا، من أين نأخذها ، من يعرف ؟
الطالب: فإن يشأ الله يختم على قلبك .

الشيخ : أي نعم، نأخذها من: فإن يشأ الله يختم على قلبك فلا يمكنك من الباطل، وقولنا : التمكين المطلق خرج به ما لو مكن الله تعالى للكافر على وجه لا يستقر، كما حصل في غزوة أحد فإن المشركين هزموا المسلمين، لكنه ليس هزما مستقرا، بل هو من حكمة الله عز وجل أن يمكن للكفار حتى يتشجعوا على حرب المسلمين ثم يقضي المسلمون عليهم .
من فوائد هذه الآية الكريمة : أن الله سبحانه وتعالى إذا محا الباطل جعل مكانه الحق لقوله : ويمحوا الله الباطل ويحق الحق .
ومن فوائد الآية الكريمة: إثبات الكلمات لله لقوله: بكلماته والله سبحانه وتعالى متكلم بكلام حقيقي بحروف وأصوات مسموعة ومحاورة بينه وبين من شاء من خلقه، وهذا مذهب السلف الصالح، وعليه جرت المحنة العظيمة على أئمة المسلمين من أمراء الجور والظلم وعلماء السوء، حيث ابتدعت الجهمية والمعتزلة القول بأن الله لا يتكلم وإنما يخلق كلاما، فقالوا: إن الله عز وجل لا يتكلم لكن يخلق كلاما، وكلامه مخلوق، فيقال لو قلنا : بأن كلام الله مخلوق لبطلت الشريعة لأنه يستوي الأمر والنهي والخبر والاستخبار والقصص، تستوي لأنها مخلوقة لا يمتاز بعضها عن بعض، فهي باعتبار الصوت كزمجرة الرعد، وباعتبار الكتابة كنقوش الجدار، لأنها مخلوقة، وحينئذ لا أمر ولا نهي ولا خبر ولا استخبار ولا شيء، وتلطفت طائفة فلم توفق وقالوا: إن كلام الله غير مخلوق لكن كلامه هو المعنى القائم بنفسه وما سمع منه فهو عبارة عن كلام الله وهو مخلوق، فانظر كيف ضلت هذه الطائفة حتى صارت أشد ضلالا من الذين قالوا: إن الكلام مخلوق، ما معنى كلامهم ؟ يقولون: كلام الله هو المعنى القائم بنفسه كما لو أنك في نفسك قدرت أن تتكلم بقول ثم قلت، هم يقولون : إن الله تعالى أضمر الكلام في نفسه ثم خلق أصواتا تدل عليه، فيكون هذا الذي في المصحف ليس كلام الله لكنه مخلوق خلقه الله ليعبر عما في نفس الله، المعتزلة يقولون الذي في المصاحف كلام الله مخلوق والأشاعرة يقولون : ليس كلام الله وهو مخلوق، فأيهما أقرب إلى الصواب ؟ المعتزلة أقرب، وهؤلاء يزعمون أنهم العقلاء أعني الأشاعرة وأنهم حاولوا الجمع بين المعقول والمنقول ولكنهم أفسدوا المنقول والمعقول، فنحن نقول: إن الله يتكلم بكلام مسموع وبحروف متتالية، والله يفعل ما يشاء: إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون .
ومن فوائدها : عموم علم الله عز وجل وبطون علم الله، أنه علم عميق يصل إلى أخفى شيء، من أين ؟ إنه عليم بذات الصدر .
ومن فوائدها : الفائدة المسلكية المهمة وهي أن الإنسان إذا علم بأن الله تعالى عليم بما في قلبه فإنه سوف يمسك عن كل إرادة سيئة ويقدم على كل إرادة حسنة.
ومنها أنه يجب على العبد أن يصحح ما في قلبه لأن المدار عليه، قال الله تبارك وتعالى : أفلا يعلم إذا بعثر ما في القبور وحصل ما في الصدور .
واعلم يا أخي أن الحكم في الدنيا على الظاهر والحكم في الآخرة على الباطن، فهل تحسن ظاهرك ليحكم عليك في الدنيا بما يقتضيه هذا الظاهر أو تحسن باطنك ليحكم لك يوم القيامة بما يقتضيه هذا الباطن، أيهما ؟ الثاني، ولهذا لا تغتر بكثرة الركوع والسجود وبكاء العين وما أشبه ذلك بل انظر إلى ما في القلب، وإن كانت هذه الأعمال التي ذكرتها علامة على صلاح القلب لكن ثبت الإيمان في القلب، عليك بإصلاح القلب قبل كل شيء، اغرس في قلبك محبة الله ورسوله، اغرس في قلبك محبة الشريعة وإن ثقلت عليك كما قال تعالى : كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ [البقرة:216] اغرس في قلبك محبة المؤمنين، لا تكره أي مؤمن وإن أساء إليه، إن أساء إليك المؤمن فاكره إساءته أما هو شخصيا فلا تكرهه، اغرس في قلبك الولاية لكل مسلم والعداوة لكل كافر، وهلم جرا، المهم أن تعتني بصلاح قلبك لأنه هو الذي عليه مدار الحساب يوم القيامة، قال الله تعالى : إنه على رجعه لقادر يوم تبلى السرائر أي: تختبر السرائر، اللهم أصلح ظواهرنا وبواطننا يا رب العالمين .
ومن فوائد الآية الكريمة : أن المدار على القلوب وأنها في الصدور، القلوب في الصدور وبها العقل، قال الله تعالى: أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور وعلى هذا فيجب علينا أن نؤمن بأن العقل في القلب لأن الآية في هذا صريحة أو ظاهرة، وأما قول بعضهم: إن العقل في الدماغ فضعيف مقابل بقول العالم الخالق عز وجل، ولكن الدماغ لا شك أنه إذا اختل اختل تصرف الإنسان، وأصل العقل في القلب بلا شك قال الإمام أحمد رحمه الله: " العقل في القلب وله اتصال بالدماغ "، ونروي عن شيخنا عبد الرحمن رحمه الله أن أحد المعتزلة حكم عليه بالقتل على حين اختلاف بين الناس في العقل أهو في الدماغ أم في القلب فقال لهم : إذا قتلتموني فأبينوا رأسي ثم إن كان العقل في قلبي حركت يدي أو قال : أصبعي، وإن كان في الدماغ راح مع الدماغ، ففعلوا فلما قتلوه حرك العضو الذي قال لهم على الوجه الذي قال لهم، وهذا دليل حسي إن ثبتت القصة دليل حسي على أن العقل في القلب، لأنه حرك عضوه إما أصبع أو يده على الوجه الذي ذكر لهم، وهذا يدل على أنه استحضر في قلبه بعد أن بان رأسه، استحضر في قلبه ما وعدهم به وأداه كما وعدهم، فإن ثبتت هذه القصة فهي دليل حسي وإن لم تثبت فعندنا دليل سمعي، ما هو الدليل السمعي يا جماعة ؟ الدليل السمعي عند العلماء هو الذي ثبت في الكتاب والسنة.

Webiste