شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... عن أبي موسى رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( من مر في شيء من مساجدنا أو أسواقنا ومعه نبل فليمسك أو ليقبض على نصالها بكفه أن يصيب أحدا من المسلمين منها بشيء ) متفق عليه وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قبل النبي صلى الله عليه وسلم الحسن بن علي رضي الله عنهما وعنده الأقرع بن حابس فقال الأقرع إن لي عشرة من الولد ما قبلت منهم أحدا فنظر إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ( من لا يرحم لا يرحم ) متفق عليه ... " .
الشيخ محمد بن صالح العثيمين
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم :
ذكر المؤلف -رحمه الله- جملة مِن أحاديث الرفق بالمسلمين جملة منها حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه ، أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : مَن مرَّ في شيء من مساجدنا أو أسواقنا وفي يده نصل فيمسك بها أو بأطرافها :
النصل : السهام التي يُرمى بها ، وأطرافها تكون دائماً دقيقة تنفذ فيما تصيبه مِن المرمي ، فإذا أمسك الإنسان بها وقى الناس شرها ، وإذا تركها هكذا فربما تؤذي أحداً ، ربما يأتي أحدٌ بسرعة فتخدشه ، أو يكون الرجل الذي يمرّ بالناس وهي مفتوحة غير ممسكة تخدشهم أيضاً.
ومثل ذلك أيضاً العصا ، العصا إذا كان معك عصّا فأمسكها طولاً، يعني اجعل رأسها إلى السماء ولا تجعلها عرضاً ، لأنك إذا جعلتها عرضاً آذيت الناس الذين وراءك ، وربما تؤذى الذين أمامك ، ومثله الشمسية أيضاً ، إذا كان معك شمسية وأنت في السوق فارفعها ، لئلا تؤذي الناس.
فكل شيء يؤذي المسلمين أو يُخشى مِن أذيته فإنه يتجنبه الإنسان ، لأن أذية المسلمين ليست بالهينة ، قال الله تعالى: وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً .
ومِن ذلك أيضاً من الأحاديث التي ذكرها حديث أبي هريرة رضي الله عنه ، أنه كان عنده الحسن بن علي بن أبي طالب ، والأقرع بن حابس ، الحسن بن على بن أبي طالب هو ابن فاطمة بنتِ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فجده مِن أُمه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وأبوه على بن أبي طالب ابن عم النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يحبُ الحسن والحسين ، لأنهما سبطاه ، ويفضل الحسن على الحسين ، لأن الحسن أفضل من الحسين ، الحسن قال فيه النبي صلى الله عليه وآله وسلم : إن ابني هذا سيد، ولعلّ الله أن يصلح به بين فئتين من المسلمين فكان الأمر كما قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، لما حصلت الفتنة في زمن معاوية، وآلت الخلافة إلى الحسن بعد أبيه على بن أبي طالب ، تنازل عنها رضي الله عنه ، عن الخلافة لمعاوية بن أبي سفيان حقناً لدماء المسلمين ، لأنه يعلم أن الناس أشرار ، وأنهم ربما يأتون إليه ويغرُّونه كما فعلوا بأخيه الحسين بن علي رضي الله عنه ، غرّه أهل العراق وحصل ما حصل من المقتلة العظيمة في كربلاء وقُتل الحسين .
أما الحسن رضي الله عنه فإنه تنازل عن الخلافة لمعاوية بن أبي سفيان، فصار ذلك مصداقاً لقول النبي صلى الله عليه آله وسلم : ولعل الله أن يصلح به بين فئتين من المسلمين .
كان عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم الأقرع بن حابس من زعماء بني تميم ، والغالب أنَّ البادية وأشباههم يكون فيهم جفاء ، فقبَّل النبي صلى الله عليه وآله وسلم الحسن ، فقال الأقرع : إن لي عشرة من الولد ما قبلتُ واحداً منهم ، أعوذ بالله قلبه قاسي ، ما قبلهم ولو كانوا صغاراً !؟ فنظر إليه النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقال : مَن لا يَرحم لا يُرحم : يعني أن الذي لا يرحم عباد الله لا يرحمه الله، ويُفهم من هذا أن من رحم عباد الله رحمه الله، وهو كذلك ، فقد قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : الراحمون يرحمهم الرحمن ، ففي هذا دليلٌ على أنه ينبغي للإنسان الرحمة في الصغار ونحوهم، وأنه ينبغي للإنسان أن يقبِّل أبناءه، وأبناء بناته، وأبناء أبنائه، يقبلهم رحمة بهم، واقتداءً برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .
أما ما يفعله بعض الناس والعياذ بالله من الجفاء والغلظة بالنسبة للصبيان، فتجده مثلا لا يمكن صبيه من أن يحضر إلى مجلسه، ولا أن يمكِّن صبيه من أن يطلب شيئاً، وإذا رآه عند الرجال انتهره ، وقال : فارق اذهب فهذا خلاف السنة وخلاف الرحمة ، كان النبي عيه الصلاة والسلام يصلي بالناس إحدى صلاتي العشي، إما العصر وإما الظهر ، فجاءته بنت بنته ، أُمامة فكان النبي صلى الله عليه وسلم يحملها وهو يصلي بالناس ، إذا قام حملها ، وإذا سجد وضعها : أين هذا الخلق من أخلاقنا الآن؟ الآن لو يجد الإنسان صبيه في المسجد أخرجه ، فضلاً عن كونه يحمله في الصلاة.
وكان يوماً من الأيام ساجداً فجاءه الحسن أو الحسين فركب عليه ، جعله راحلة له ، فأطال النبي صلى الله عليه آله وسلم السجود ، فلما سلم قال : إن ابني ارتحلني وإني كرهت أن أقوم حتى يقضي نهمته .
وكان يخطب الناس يوماً على المنبر، فأقبل الحسن والحسين وعليهما ثوبان جديدان يعثران بهما ، فنزل النبي صلى الله عليه وآله وسلم وحملهما بين يديه وقال : صدق الله : إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ ، نظرت إليى هذين الصبيين يعثران : يعني فما طابت نفسه حتى نزل وحملهما.
ففي هذا كله وأمثاله دليلٌ على أنه ينبغي للإنسان أن يرحم الصغار ، ويلطف بهم ، وأن ذلك سبب لرحمة الله عزّ وجلّ ، نسأل الله أن يعمنا وإياكم برحمته ولطفه وإحسانه .
ذكر المؤلف -رحمه الله- جملة مِن أحاديث الرفق بالمسلمين جملة منها حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه ، أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : مَن مرَّ في شيء من مساجدنا أو أسواقنا وفي يده نصل فيمسك بها أو بأطرافها :
النصل : السهام التي يُرمى بها ، وأطرافها تكون دائماً دقيقة تنفذ فيما تصيبه مِن المرمي ، فإذا أمسك الإنسان بها وقى الناس شرها ، وإذا تركها هكذا فربما تؤذي أحداً ، ربما يأتي أحدٌ بسرعة فتخدشه ، أو يكون الرجل الذي يمرّ بالناس وهي مفتوحة غير ممسكة تخدشهم أيضاً.
ومثل ذلك أيضاً العصا ، العصا إذا كان معك عصّا فأمسكها طولاً، يعني اجعل رأسها إلى السماء ولا تجعلها عرضاً ، لأنك إذا جعلتها عرضاً آذيت الناس الذين وراءك ، وربما تؤذى الذين أمامك ، ومثله الشمسية أيضاً ، إذا كان معك شمسية وأنت في السوق فارفعها ، لئلا تؤذي الناس.
فكل شيء يؤذي المسلمين أو يُخشى مِن أذيته فإنه يتجنبه الإنسان ، لأن أذية المسلمين ليست بالهينة ، قال الله تعالى: وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً .
ومِن ذلك أيضاً من الأحاديث التي ذكرها حديث أبي هريرة رضي الله عنه ، أنه كان عنده الحسن بن علي بن أبي طالب ، والأقرع بن حابس ، الحسن بن على بن أبي طالب هو ابن فاطمة بنتِ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فجده مِن أُمه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وأبوه على بن أبي طالب ابن عم النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يحبُ الحسن والحسين ، لأنهما سبطاه ، ويفضل الحسن على الحسين ، لأن الحسن أفضل من الحسين ، الحسن قال فيه النبي صلى الله عليه وآله وسلم : إن ابني هذا سيد، ولعلّ الله أن يصلح به بين فئتين من المسلمين فكان الأمر كما قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، لما حصلت الفتنة في زمن معاوية، وآلت الخلافة إلى الحسن بعد أبيه على بن أبي طالب ، تنازل عنها رضي الله عنه ، عن الخلافة لمعاوية بن أبي سفيان حقناً لدماء المسلمين ، لأنه يعلم أن الناس أشرار ، وأنهم ربما يأتون إليه ويغرُّونه كما فعلوا بأخيه الحسين بن علي رضي الله عنه ، غرّه أهل العراق وحصل ما حصل من المقتلة العظيمة في كربلاء وقُتل الحسين .
أما الحسن رضي الله عنه فإنه تنازل عن الخلافة لمعاوية بن أبي سفيان، فصار ذلك مصداقاً لقول النبي صلى الله عليه آله وسلم : ولعل الله أن يصلح به بين فئتين من المسلمين .
كان عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم الأقرع بن حابس من زعماء بني تميم ، والغالب أنَّ البادية وأشباههم يكون فيهم جفاء ، فقبَّل النبي صلى الله عليه وآله وسلم الحسن ، فقال الأقرع : إن لي عشرة من الولد ما قبلتُ واحداً منهم ، أعوذ بالله قلبه قاسي ، ما قبلهم ولو كانوا صغاراً !؟ فنظر إليه النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقال : مَن لا يَرحم لا يُرحم : يعني أن الذي لا يرحم عباد الله لا يرحمه الله، ويُفهم من هذا أن من رحم عباد الله رحمه الله، وهو كذلك ، فقد قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : الراحمون يرحمهم الرحمن ، ففي هذا دليلٌ على أنه ينبغي للإنسان الرحمة في الصغار ونحوهم، وأنه ينبغي للإنسان أن يقبِّل أبناءه، وأبناء بناته، وأبناء أبنائه، يقبلهم رحمة بهم، واقتداءً برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .
أما ما يفعله بعض الناس والعياذ بالله من الجفاء والغلظة بالنسبة للصبيان، فتجده مثلا لا يمكن صبيه من أن يحضر إلى مجلسه، ولا أن يمكِّن صبيه من أن يطلب شيئاً، وإذا رآه عند الرجال انتهره ، وقال : فارق اذهب فهذا خلاف السنة وخلاف الرحمة ، كان النبي عيه الصلاة والسلام يصلي بالناس إحدى صلاتي العشي، إما العصر وإما الظهر ، فجاءته بنت بنته ، أُمامة فكان النبي صلى الله عليه وسلم يحملها وهو يصلي بالناس ، إذا قام حملها ، وإذا سجد وضعها : أين هذا الخلق من أخلاقنا الآن؟ الآن لو يجد الإنسان صبيه في المسجد أخرجه ، فضلاً عن كونه يحمله في الصلاة.
وكان يوماً من الأيام ساجداً فجاءه الحسن أو الحسين فركب عليه ، جعله راحلة له ، فأطال النبي صلى الله عليه آله وسلم السجود ، فلما سلم قال : إن ابني ارتحلني وإني كرهت أن أقوم حتى يقضي نهمته .
وكان يخطب الناس يوماً على المنبر، فأقبل الحسن والحسين وعليهما ثوبان جديدان يعثران بهما ، فنزل النبي صلى الله عليه وآله وسلم وحملهما بين يديه وقال : صدق الله : إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ ، نظرت إليى هذين الصبيين يعثران : يعني فما طابت نفسه حتى نزل وحملهما.
ففي هذا كله وأمثاله دليلٌ على أنه ينبغي للإنسان أن يرحم الصغار ، ويلطف بهم ، وأن ذلك سبب لرحمة الله عزّ وجلّ ، نسأل الله أن يعمنا وإياكم برحمته ولطفه وإحسانه .
الفتاوى المشابهة
- شرح حديث عن أبي بكر بن أبي موسى الأشعري قال:... - ابن عثيمين
- شرح حديث عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال... - ابن عثيمين
- شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما ن... - ابن عثيمين
- شرح حديث عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول ا... - ابن عثيمين
- شرح حديث عن أبي بردة قال: وجع أبو موسى فغشي... - ابن عثيمين
- تتمة شرح قول قول الإمام النووي رحمه الله تعا... - ابن عثيمين
- قراءة قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما... - ابن عثيمين
- شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما ن... - ابن عثيمين
- شرح حديث عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قبل... - ابن عثيمين
- قراءة قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما... - ابن عثيمين
- شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما ن... - ابن عثيمين