تتمة فوائد حديث : ( لقد هممت أن أنهى عن الغيلة فنظرت في الروم و فارس ... ) .
الشيخ محمد بن صالح العثيمين
الشيخ : ومن فوائد هذا الحديث : أن الناس في الطبيعة والجبلة على حد سواء مسلمهم وكافرهم.
لكن بالنسبة للأخلاق الاختيارية يختلف الناس فخُلق المؤمن خير من خُلُق الكافر .
لكن بالنسبة للأمور الطبيعية التي هي من طبيعة البشر لا يختلف فيها المؤمن والكافر صح ؟
الطالب : نعم .
الشيخ : من أين تؤخذ ؟
من مقارنة حال المسلمين بحال الروم وفارس في أمر طبيعي، بمقتضى الطبيعة والجبلة، ولا يقال: إن هذا من باب اتباع الكفار التشبه بهم، بل يقال: هذا من باب الاقتداء بالكفار في أمور جرت عليهم بالتجارب وليست من باب الولاء والبراء.
ومن فوائد هذا الحديث: يتفرع على القاعدة التي ذكرناها : " اشتراك المؤمن والكافر فيما تقتضيه الطبيعة والجبلة " يترتب على هذا أو يتفرع على هذه الفائدة : ترجيح التفسير في قوله تعالى : أو نسائهن الآية : وقل للؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن إلى أن قال: أو نسائهن ، وقد اختلف المفسرون هل المراد بنسائهن أي: نساء المؤمنات، أو نسائهن يعني الجنس يعني النساء اللاتي من جنسهن ؟
والصحيح الثاني، وذلك لأن الطبيعة والجبلة في الكافرة والمسلمة واحدة ، فالمرأة لا تنظر إلى المرأة كما ينظر الرجل إلى المرأة ، لا فرق بين المسلمة والكافرة ، كما أن الرجل لا ينظر إلى الرجل كما ينظر إلى المرأة ، لا فرق بين الرجل المسلم والرجل الكافر ، فهذا بمقتضى الطبيعة والجبلة : أن المرأة نظرها إلى المرأة ليس كنظر الرجل إليها ، فلهذا يترجح القول بأن المراد بالنساء هنا الجنس وليس المراد الموافقة في الدين .
وأما تعليلهم بأن الكافرة ربما تصف هذه المسلمة لغير المسلمين ، فيقال : إن هذا المحذور إذا وجد منع من النظر حتى ولو كان بين مسلمة ومسلمة ، لو كنا نعلم أو يغلب على ظننا أن هذه المرأة المسلمة إذا نظرت إلى هذه المرأة ذهبت تصفها للناس كأنما ينظرون إليها منعناها من الكشف لها ، لأن الحكم يدور مع علته وجوداً وعدما .
ومن فوائد هذا الحديث: أنه يجوز السؤال عما يستحيا منه للتفقه في الدين ، لقوله : ثم سألوه عن العزل وهذا أمر يستحيا منه ، لكن لابد من معرفته لأنه يتعلق بأمر ديني ، وقد كانت النساء يسألن رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شيء يستحيا منه أكثر من هذا ، فإن أم سُليم قالت : يا رسول الله المرأة ترى في منامها ما يرى الرجل فهل عليها من غُسل ؟ قال : نعم ، إذا هي رأت الماء .
قالت عائشة رضي الله عنها : نعم النساء نساء الأنصار لم يمنعهن الحياء أن يتفقهن في الدين ، فلا ينبغي للإنسان أن يدع العلم حياء وخجلا ، وقد قال بعض السلف : " لا ينال العلم حيي أو مستكبر " :
يعني الحيي تجد حياءه يمنعه من السؤال والبحث، والمستكبر كبره يمنعه، كيف اسأل، إذا سألت قالوا هذا واحد ما يعرف وهذا خطأ .
من فوائد هذا الحديث: تحريم العزل، لأن النبي صلى الله عليه وسلم سماه وأدًا ، والوأد حرام ، وإلى هذا ذهب ابن حزم وجماعة من العلماء ، وقالوا : إن عزل الإنسان عن امرأته حرام سواء رضيت أم لم ترض ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم سماه وأدًا، ووصفه بأنه خَفِي لا يرفع عنه التحريم، ولكنه يرفع عنه أن يكون قتل نفس، لأن الوأد الظاهر:
قتل نفس، ولا شك في تحريمه.
أما هذا فهو وأد خفي يكون حرامًا لأنه وصف بأنه وأد، ولا يرتقي إلى درجة الوأد الظاهر الذي هو قتل النفس لأنه وصف بأنه خفي، لأن الناس لا يعلمون عنه، إنسان يأتي أهله ويعزل لا يعلم عنه أحد، لكن الوأد الظاهر يخرج بها إلى البر ويحفر لها ويدفنها، كلنا يعرفه.
وأيضا هذا وأد خفي يخفى حكمه على كثير من الناس، وذاك وأد ظاهر حكمه لكثير من الناس، فهو ظاهر من جهة بروزه للناس ووضوحه، وهو ظاهر من جهة معرفة حكمه، أما هذا فهو خفي لأنه بين الرجل وبين زوجته ولأنه يخفى حكمه على كثير من الناس، ولهذا سألوا النبي صلى الله عليه وسلم عنه.
وذهب أكثر أهل العلم إلى جواز العزل، لكن اشترطوا شرطين:
الشرط الأول: أن يكون باتفاق من الطرفين الزوج والزوجة، لأن للزوجة حقا في الولد، قد يرغب الزوج أن يعزل لتبقى زوجته شبه بكر، ولكن الزوجة لا ترغب ففي هذه الحال لا يجوز له أن يعزل، لأن الزوجة لها حق في الولد، ولهذا إذا تبين أن الزوج عقيم فإن الصحيح من أقوال أهل العلم أن للمرأة الفسخ، لأنها يفوتها ما تريده من الأولاد.
والشرط الثاني: ألا يكون في ذلك ضرر، فإن كان في ذلك ضرر إما على الزوج وإما على الزوجة فإنه يمنع، وهذا الضرر قد لا يمكن الإفصاح به ولكن يعرفه الزوج وتعرفه الزوجة ، لأن النزع قبل استكمال اللذة فيه خطورة لا على الزوج ولا على الزوجة ، فإذا انتفى الضرر واتفق الطرفان على ذلك فإنه جائز عند الجمهور ، لكن مع ذلك يقولون : إنه غير مرغوب فيه ، لأنه يضاد ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يحصده من هذه الأمة ، حيث قال : تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم، أو الأنبياء يوم القيامة : فهذا يدل على أن رغبة النبي عليه الصلاة والسلام لهذه الأمة أن يكثر نسلها ولا شك أن كثرة النسل عز للأمة.
وأما قول من قال: إن كثرة النسل سبب لضائقة اقتصادية، لأنه بدل من أن يكون أهل البلد مئة يكونون مئتين، نعم المئة يكفيهم مثلا قل مئة صاع من الرز في الشهر، إذا كانوا مئتين يحتاجون إلى مئتين صاع، وإذا زادوا يحتاجون إلى أكثر، فهؤلاء مع سوء ظنهم بالله عز وجل، قد يبتلون بأن يضيق الله عليهم الرزق، ولكن لو أحسنوا الظن بالله وعلموا أنه وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ، إذا ولد لك ولد انفتح عليك باب الرزق.
وقد حدثني شخص أعرفه الآن قبل أن تنفتح علينا الدنيا يقول: إنه كان فقيرا وأشير عليه بالزواج وقال: أنا ما عندي شيء، فقالوا: تزوج يرزقك الله نعم فإن الله يقول: وليستعفف الذين لا يجدون نكاحا حتى يغنيهم الله من فضله والنبي عليه الصلاة والسلام يقول: ثلاثة حق على الله عونهم وذكر منهم المتزوج يريد العفاف، المهم تزوج، يقول: لما تزوجت كثر الذين يعطونني المال أحرّج عليه، تعرفون الحراج ؟
الطالب : ما معناه ؟
الشيخ : الحراج إنه كان بالأول الناس يعطى الرجل مثلا ثوب يعطى مشلح يعطى شيء يحرّج عليه ، إذا باعه له نسبة مئوية مثلا في المئة ريال ، يقول : فكثر الناس الذين يعطونني ، يقول : فولد لي عبدالله أكبر أولاده، يقول: فرأيت الأمر يزداد نعم فولد له الولد الثاني يقول: فازداد الأمر حتى ما شاء الله صرت متوفر أكثر.
فالإنسان إذا اعتمد على الله فالله تعالى هو الذي يتكفل بالرزق، أنا لست أرزق أولادي من الذي يرزقهم؟
الله عز وجل لكن اصدق الاعتماد على الله سبحانه وتعالى يرزقك.
المهم أن ما ذهب إليه أهل التشاؤم الذين لا يعرفون الله حق المعرفة حيث يقولون: إن كثرة الأولاد تؤدي إلى ضائقة اقتصادية !
نقول: هم يبتلون بهذا ما دام اعتمدوا على الأمور المادية يبتلون بهذا، من تعلّق شيئا وكل إليه ولو اعتمدوا على الله لوجدوا أن الرزق ينفتح لهم كلما كثر أولادهم .
طيب إذن نقول : العزل مع قولهم بجوازه غير مرغوب فيه ، لأنه يضاد ما كان الرسول صلى الله عليه وسلم يريده من هذه الأمة وهو تكثير النسل.
وليعلم أنه يجب علينا الحذر من النصارى الذين يولدون النساء ، سواء كانوا ذكورا أم إناثا ، فإنه بلغنا أنهم يسيئون في التوليد ، فيجذبون الولد بشدة أحيانًا تنخلع يده أو تميع رقبته ، أو يناله أذى ، وربما يحاولون أن يَضيق الخناق عليه حتى يموت ، كذلك أيضا يحاول هؤلاء النصارى الذين يولدون نساءنا ونسأل الله أن يبعدهم عنا ! يحاولون أن يجعلوا لكل ولادة عملية ، علشان يبقى بطن المرأة مخرّقاً يأتي مشوها خله مشوه مستور، لكن يبقى مخرقا ما يتحمل الحمل، تحمل مرتين ثلاث ثم لو تحمل يمكن أكثر انشق بطنها، نعم لأنهم هم لا يجرون العملية في مكان واحد دائما لا، هذا لا يمكن، يجرونه في أماكن متعددة فيبقى البطن مخرقاً، مع العلم بأنه يمكن أن يجروا الولادة إجراء طبيعياً، لكن لا، يقولون: شقق بطنها علشان ما تحمل.
فالمهم أنه يجب علينا نحن المسلمين أن نحذر من هؤلاء، وأن نعلم أن النصارى واليهود أعداء لنا مهما أبدوا من المودة فإنما هم يتزلفون إلينا لينالوا مقصودهم منا، وإلا ما الرابطة بيننا وبين النصارى ؟
ما الرابطة بيننا وبين اليهود؟
دين ؟ ليس بيننا وبينهم دين ، بل بيننا وبينهم العداء منذ بعث النبي عليه الصلاة والسلام ، قال الله عز وجل : وإذ قال عيسى ابن مريم يا بني إسرائيل إني رسول الله إليكم مصدقا لما بين يدي من التوراة ومبشراً برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد فلما جاءهم بالبينات قالوا هذا سحر مبين ، وقال : فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين ، فليس بيننا وبين النصارى أي مودة ، وإن تزلفوا لنا فإنما ذلك من مصالحهم بلا شك ، لا لمصلحتنا نحن ، وكل شيء يؤدي إلى مصالحهم فهو ضرر علينا ، لأن صلاحهم ونمو اقتصادهم كله علينا في الحقيقة ، كله علينا ليس لنا.
على كل حال أنا أقول: إنه يجب علينا نحن المسلمين أن نحذر من هؤلاء وألا نمكن نساءنا من الذهاب إلى المستشفيات للولادة إلا عند الضرورة القصوى، أما مجرد تقول: والله أنا أحسست بالطلق يالله ودوني المستشفى عشان على طول بدون تعب هذا غير صحيح.
نعم إذا دعت الضرورة حينئذ نذهب، أما إذا كانت الولادة طبيعية فلابد من المشقة، لابد من المشقة هذا أمر واقع، كيف يخرج هذا الولد مع هذا المكان الضيق إلا بتعب؟!
ولولا أن الله سبحانه وتعالى يسهل ذلك برحمته وحكمته لكان المرأة ما تستطيعه إطلاقا، فإذا تعذرت الولادة الطبيعية لكون الولد مثلا عفس أو ما أشبه ذلك أو يعترض وصار هناك ضرورة لا بأس، أما لغير الضرورة فأرى أنه من الخطأ والخطر أن نذهب بنسائنا إلى هذه المستشفيات.
طيب من فوائد هذا الحديث: أن محاولة منع الولادة ولو بغير العزل وأد خفي، بل قد يكون أشدَّ ضررًا من العزل مثل استعمال الحبوب المانعة من الحمل، هذه الحبوب يقول لنا الأطباء: إنها مضرة جداً، مضرة على الرحم وعلى الدم وعلى الأولاد في المستقبل، ولهذا كثُرت التشويهات في الأجنة في الوقت الحاضر بسبب تناول هذه العقاقير، لأننا نعلم أن الله عز وجل ركّب البدن على طبيعة معينة، فإذا أعطي البدن ما يضاد هذه الطبيعة صار فيه ضرر على البدن ، دع البدن وطبيعته التي خُلق عليها فهذا هو المناسب له .
هناك أيضًا محاولة أخرى غير هذه الحبوب وهي: ما يعرف باللولب، اللولب معروف عند النساء، يركب في عنق الرحم، بحيث يمنع من نفوذ الماء إلى الرحم ماء الرجل، هذا أيضًا يشبه العزل، بل سمعت بعض الناس يقول: إن هذا لا يجوز، لأنه قتل للحيوانات المنوية، ولكن هذا ليس بصحيح، لأن الحيوانات المنوية لم تثبت لها الحياة شرعًا، وإلا لقلنا: إن الرجل إذا احتلم بالليل فقد قتل أنفسًا خطأ أنفسًا كثيرة خطأ، لأن هذا الماء ييبس على لباسه ويذهب، فالحيوانات المنوية ليس لها حكم الحياة إطلاقاً وإن سموها حيوانات، فإنها ليست بالشرع ذات حياة، ولا يعد هذا اللولب الذي يمنع من نفوذ الماء إلى الرحم لا يعد قتلا لهذه الحيوانات، وإن سماه بعض الأطباء قتلا فليس بقتل شرعاً.
فيه المحاولة الرابعة يفعلها بعض الناس أيضاً.
الطالب : حكم اللولب يا شيخ؟
الشيخ : حكم اللولب كالعزل، وهو أهون من الحبوب، وأخف من العزل، لأن الرجل والمرأة كلاهما ينالان تمام اللذة، الرجل ينال لذته بإنزاله في محل الإنزال، وكذلك المرأة، وهو أهون من هذا كله.
في محاولة رابعة ؟
الطالب : رابعة !
الشيخ : في محاولة وسموها ما شئتم رابعة خامسة ثالثة ثانية ، حتى العدد نختلف عليه يا جماعة ؟! الله المستعان ، على كل حال يلحظ أن الإنسان عند إتيان أهله يلبّس محل التناسل كِيسا بحيث إذا حصل إنزال يكون في هذا الكيس، هذا يجب أن يراجع فيه الأطباء هل هذا يضر أو لا يضر، فإذا كان لا يضر فهو لا شك أنه ينقص به كمال اللذة قطعا لأن هناك فرق بين الملامسة وبين الحائل، يعني لا تحصل فيه كمال اللذة إطلاقا، فهو ناقص، لكن لا أدري عاد هل يضر أو لا يضر فليرجع في هذا إلى الأطباء وهم أعلم منا بذلك.
لكن بالنسبة للأخلاق الاختيارية يختلف الناس فخُلق المؤمن خير من خُلُق الكافر .
لكن بالنسبة للأمور الطبيعية التي هي من طبيعة البشر لا يختلف فيها المؤمن والكافر صح ؟
الطالب : نعم .
الشيخ : من أين تؤخذ ؟
من مقارنة حال المسلمين بحال الروم وفارس في أمر طبيعي، بمقتضى الطبيعة والجبلة، ولا يقال: إن هذا من باب اتباع الكفار التشبه بهم، بل يقال: هذا من باب الاقتداء بالكفار في أمور جرت عليهم بالتجارب وليست من باب الولاء والبراء.
ومن فوائد هذا الحديث: يتفرع على القاعدة التي ذكرناها : " اشتراك المؤمن والكافر فيما تقتضيه الطبيعة والجبلة " يترتب على هذا أو يتفرع على هذه الفائدة : ترجيح التفسير في قوله تعالى : أو نسائهن الآية : وقل للؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن إلى أن قال: أو نسائهن ، وقد اختلف المفسرون هل المراد بنسائهن أي: نساء المؤمنات، أو نسائهن يعني الجنس يعني النساء اللاتي من جنسهن ؟
والصحيح الثاني، وذلك لأن الطبيعة والجبلة في الكافرة والمسلمة واحدة ، فالمرأة لا تنظر إلى المرأة كما ينظر الرجل إلى المرأة ، لا فرق بين المسلمة والكافرة ، كما أن الرجل لا ينظر إلى الرجل كما ينظر إلى المرأة ، لا فرق بين الرجل المسلم والرجل الكافر ، فهذا بمقتضى الطبيعة والجبلة : أن المرأة نظرها إلى المرأة ليس كنظر الرجل إليها ، فلهذا يترجح القول بأن المراد بالنساء هنا الجنس وليس المراد الموافقة في الدين .
وأما تعليلهم بأن الكافرة ربما تصف هذه المسلمة لغير المسلمين ، فيقال : إن هذا المحذور إذا وجد منع من النظر حتى ولو كان بين مسلمة ومسلمة ، لو كنا نعلم أو يغلب على ظننا أن هذه المرأة المسلمة إذا نظرت إلى هذه المرأة ذهبت تصفها للناس كأنما ينظرون إليها منعناها من الكشف لها ، لأن الحكم يدور مع علته وجوداً وعدما .
ومن فوائد هذا الحديث: أنه يجوز السؤال عما يستحيا منه للتفقه في الدين ، لقوله : ثم سألوه عن العزل وهذا أمر يستحيا منه ، لكن لابد من معرفته لأنه يتعلق بأمر ديني ، وقد كانت النساء يسألن رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شيء يستحيا منه أكثر من هذا ، فإن أم سُليم قالت : يا رسول الله المرأة ترى في منامها ما يرى الرجل فهل عليها من غُسل ؟ قال : نعم ، إذا هي رأت الماء .
قالت عائشة رضي الله عنها : نعم النساء نساء الأنصار لم يمنعهن الحياء أن يتفقهن في الدين ، فلا ينبغي للإنسان أن يدع العلم حياء وخجلا ، وقد قال بعض السلف : " لا ينال العلم حيي أو مستكبر " :
يعني الحيي تجد حياءه يمنعه من السؤال والبحث، والمستكبر كبره يمنعه، كيف اسأل، إذا سألت قالوا هذا واحد ما يعرف وهذا خطأ .
من فوائد هذا الحديث: تحريم العزل، لأن النبي صلى الله عليه وسلم سماه وأدًا ، والوأد حرام ، وإلى هذا ذهب ابن حزم وجماعة من العلماء ، وقالوا : إن عزل الإنسان عن امرأته حرام سواء رضيت أم لم ترض ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم سماه وأدًا، ووصفه بأنه خَفِي لا يرفع عنه التحريم، ولكنه يرفع عنه أن يكون قتل نفس، لأن الوأد الظاهر:
قتل نفس، ولا شك في تحريمه.
أما هذا فهو وأد خفي يكون حرامًا لأنه وصف بأنه وأد، ولا يرتقي إلى درجة الوأد الظاهر الذي هو قتل النفس لأنه وصف بأنه خفي، لأن الناس لا يعلمون عنه، إنسان يأتي أهله ويعزل لا يعلم عنه أحد، لكن الوأد الظاهر يخرج بها إلى البر ويحفر لها ويدفنها، كلنا يعرفه.
وأيضا هذا وأد خفي يخفى حكمه على كثير من الناس، وذاك وأد ظاهر حكمه لكثير من الناس، فهو ظاهر من جهة بروزه للناس ووضوحه، وهو ظاهر من جهة معرفة حكمه، أما هذا فهو خفي لأنه بين الرجل وبين زوجته ولأنه يخفى حكمه على كثير من الناس، ولهذا سألوا النبي صلى الله عليه وسلم عنه.
وذهب أكثر أهل العلم إلى جواز العزل، لكن اشترطوا شرطين:
الشرط الأول: أن يكون باتفاق من الطرفين الزوج والزوجة، لأن للزوجة حقا في الولد، قد يرغب الزوج أن يعزل لتبقى زوجته شبه بكر، ولكن الزوجة لا ترغب ففي هذه الحال لا يجوز له أن يعزل، لأن الزوجة لها حق في الولد، ولهذا إذا تبين أن الزوج عقيم فإن الصحيح من أقوال أهل العلم أن للمرأة الفسخ، لأنها يفوتها ما تريده من الأولاد.
والشرط الثاني: ألا يكون في ذلك ضرر، فإن كان في ذلك ضرر إما على الزوج وإما على الزوجة فإنه يمنع، وهذا الضرر قد لا يمكن الإفصاح به ولكن يعرفه الزوج وتعرفه الزوجة ، لأن النزع قبل استكمال اللذة فيه خطورة لا على الزوج ولا على الزوجة ، فإذا انتفى الضرر واتفق الطرفان على ذلك فإنه جائز عند الجمهور ، لكن مع ذلك يقولون : إنه غير مرغوب فيه ، لأنه يضاد ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يحصده من هذه الأمة ، حيث قال : تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم، أو الأنبياء يوم القيامة : فهذا يدل على أن رغبة النبي عليه الصلاة والسلام لهذه الأمة أن يكثر نسلها ولا شك أن كثرة النسل عز للأمة.
وأما قول من قال: إن كثرة النسل سبب لضائقة اقتصادية، لأنه بدل من أن يكون أهل البلد مئة يكونون مئتين، نعم المئة يكفيهم مثلا قل مئة صاع من الرز في الشهر، إذا كانوا مئتين يحتاجون إلى مئتين صاع، وإذا زادوا يحتاجون إلى أكثر، فهؤلاء مع سوء ظنهم بالله عز وجل، قد يبتلون بأن يضيق الله عليهم الرزق، ولكن لو أحسنوا الظن بالله وعلموا أنه وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ، إذا ولد لك ولد انفتح عليك باب الرزق.
وقد حدثني شخص أعرفه الآن قبل أن تنفتح علينا الدنيا يقول: إنه كان فقيرا وأشير عليه بالزواج وقال: أنا ما عندي شيء، فقالوا: تزوج يرزقك الله نعم فإن الله يقول: وليستعفف الذين لا يجدون نكاحا حتى يغنيهم الله من فضله والنبي عليه الصلاة والسلام يقول: ثلاثة حق على الله عونهم وذكر منهم المتزوج يريد العفاف، المهم تزوج، يقول: لما تزوجت كثر الذين يعطونني المال أحرّج عليه، تعرفون الحراج ؟
الطالب : ما معناه ؟
الشيخ : الحراج إنه كان بالأول الناس يعطى الرجل مثلا ثوب يعطى مشلح يعطى شيء يحرّج عليه ، إذا باعه له نسبة مئوية مثلا في المئة ريال ، يقول : فكثر الناس الذين يعطونني ، يقول : فولد لي عبدالله أكبر أولاده، يقول: فرأيت الأمر يزداد نعم فولد له الولد الثاني يقول: فازداد الأمر حتى ما شاء الله صرت متوفر أكثر.
فالإنسان إذا اعتمد على الله فالله تعالى هو الذي يتكفل بالرزق، أنا لست أرزق أولادي من الذي يرزقهم؟
الله عز وجل لكن اصدق الاعتماد على الله سبحانه وتعالى يرزقك.
المهم أن ما ذهب إليه أهل التشاؤم الذين لا يعرفون الله حق المعرفة حيث يقولون: إن كثرة الأولاد تؤدي إلى ضائقة اقتصادية !
نقول: هم يبتلون بهذا ما دام اعتمدوا على الأمور المادية يبتلون بهذا، من تعلّق شيئا وكل إليه ولو اعتمدوا على الله لوجدوا أن الرزق ينفتح لهم كلما كثر أولادهم .
طيب إذن نقول : العزل مع قولهم بجوازه غير مرغوب فيه ، لأنه يضاد ما كان الرسول صلى الله عليه وسلم يريده من هذه الأمة وهو تكثير النسل.
وليعلم أنه يجب علينا الحذر من النصارى الذين يولدون النساء ، سواء كانوا ذكورا أم إناثا ، فإنه بلغنا أنهم يسيئون في التوليد ، فيجذبون الولد بشدة أحيانًا تنخلع يده أو تميع رقبته ، أو يناله أذى ، وربما يحاولون أن يَضيق الخناق عليه حتى يموت ، كذلك أيضا يحاول هؤلاء النصارى الذين يولدون نساءنا ونسأل الله أن يبعدهم عنا ! يحاولون أن يجعلوا لكل ولادة عملية ، علشان يبقى بطن المرأة مخرّقاً يأتي مشوها خله مشوه مستور، لكن يبقى مخرقا ما يتحمل الحمل، تحمل مرتين ثلاث ثم لو تحمل يمكن أكثر انشق بطنها، نعم لأنهم هم لا يجرون العملية في مكان واحد دائما لا، هذا لا يمكن، يجرونه في أماكن متعددة فيبقى البطن مخرقاً، مع العلم بأنه يمكن أن يجروا الولادة إجراء طبيعياً، لكن لا، يقولون: شقق بطنها علشان ما تحمل.
فالمهم أنه يجب علينا نحن المسلمين أن نحذر من هؤلاء، وأن نعلم أن النصارى واليهود أعداء لنا مهما أبدوا من المودة فإنما هم يتزلفون إلينا لينالوا مقصودهم منا، وإلا ما الرابطة بيننا وبين النصارى ؟
ما الرابطة بيننا وبين اليهود؟
دين ؟ ليس بيننا وبينهم دين ، بل بيننا وبينهم العداء منذ بعث النبي عليه الصلاة والسلام ، قال الله عز وجل : وإذ قال عيسى ابن مريم يا بني إسرائيل إني رسول الله إليكم مصدقا لما بين يدي من التوراة ومبشراً برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد فلما جاءهم بالبينات قالوا هذا سحر مبين ، وقال : فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين ، فليس بيننا وبين النصارى أي مودة ، وإن تزلفوا لنا فإنما ذلك من مصالحهم بلا شك ، لا لمصلحتنا نحن ، وكل شيء يؤدي إلى مصالحهم فهو ضرر علينا ، لأن صلاحهم ونمو اقتصادهم كله علينا في الحقيقة ، كله علينا ليس لنا.
على كل حال أنا أقول: إنه يجب علينا نحن المسلمين أن نحذر من هؤلاء وألا نمكن نساءنا من الذهاب إلى المستشفيات للولادة إلا عند الضرورة القصوى، أما مجرد تقول: والله أنا أحسست بالطلق يالله ودوني المستشفى عشان على طول بدون تعب هذا غير صحيح.
نعم إذا دعت الضرورة حينئذ نذهب، أما إذا كانت الولادة طبيعية فلابد من المشقة، لابد من المشقة هذا أمر واقع، كيف يخرج هذا الولد مع هذا المكان الضيق إلا بتعب؟!
ولولا أن الله سبحانه وتعالى يسهل ذلك برحمته وحكمته لكان المرأة ما تستطيعه إطلاقا، فإذا تعذرت الولادة الطبيعية لكون الولد مثلا عفس أو ما أشبه ذلك أو يعترض وصار هناك ضرورة لا بأس، أما لغير الضرورة فأرى أنه من الخطأ والخطر أن نذهب بنسائنا إلى هذه المستشفيات.
طيب من فوائد هذا الحديث: أن محاولة منع الولادة ولو بغير العزل وأد خفي، بل قد يكون أشدَّ ضررًا من العزل مثل استعمال الحبوب المانعة من الحمل، هذه الحبوب يقول لنا الأطباء: إنها مضرة جداً، مضرة على الرحم وعلى الدم وعلى الأولاد في المستقبل، ولهذا كثُرت التشويهات في الأجنة في الوقت الحاضر بسبب تناول هذه العقاقير، لأننا نعلم أن الله عز وجل ركّب البدن على طبيعة معينة، فإذا أعطي البدن ما يضاد هذه الطبيعة صار فيه ضرر على البدن ، دع البدن وطبيعته التي خُلق عليها فهذا هو المناسب له .
هناك أيضًا محاولة أخرى غير هذه الحبوب وهي: ما يعرف باللولب، اللولب معروف عند النساء، يركب في عنق الرحم، بحيث يمنع من نفوذ الماء إلى الرحم ماء الرجل، هذا أيضًا يشبه العزل، بل سمعت بعض الناس يقول: إن هذا لا يجوز، لأنه قتل للحيوانات المنوية، ولكن هذا ليس بصحيح، لأن الحيوانات المنوية لم تثبت لها الحياة شرعًا، وإلا لقلنا: إن الرجل إذا احتلم بالليل فقد قتل أنفسًا خطأ أنفسًا كثيرة خطأ، لأن هذا الماء ييبس على لباسه ويذهب، فالحيوانات المنوية ليس لها حكم الحياة إطلاقاً وإن سموها حيوانات، فإنها ليست بالشرع ذات حياة، ولا يعد هذا اللولب الذي يمنع من نفوذ الماء إلى الرحم لا يعد قتلا لهذه الحيوانات، وإن سماه بعض الأطباء قتلا فليس بقتل شرعاً.
فيه المحاولة الرابعة يفعلها بعض الناس أيضاً.
الطالب : حكم اللولب يا شيخ؟
الشيخ : حكم اللولب كالعزل، وهو أهون من الحبوب، وأخف من العزل، لأن الرجل والمرأة كلاهما ينالان تمام اللذة، الرجل ينال لذته بإنزاله في محل الإنزال، وكذلك المرأة، وهو أهون من هذا كله.
في محاولة رابعة ؟
الطالب : رابعة !
الشيخ : في محاولة وسموها ما شئتم رابعة خامسة ثالثة ثانية ، حتى العدد نختلف عليه يا جماعة ؟! الله المستعان ، على كل حال يلحظ أن الإنسان عند إتيان أهله يلبّس محل التناسل كِيسا بحيث إذا حصل إنزال يكون في هذا الكيس، هذا يجب أن يراجع فيه الأطباء هل هذا يضر أو لا يضر، فإذا كان لا يضر فهو لا شك أنه ينقص به كمال اللذة قطعا لأن هناك فرق بين الملامسة وبين الحائل، يعني لا تحصل فيه كمال اللذة إطلاقا، فهو ناقص، لكن لا أدري عاد هل يضر أو لا يضر فليرجع في هذا إلى الأطباء وهم أعلم منا بذلك.
الفتاوى المشابهة
- الفوائد - ابن عثيمين
- تتمة الشرح مع الفوائد - ابن عثيمين
- فوائد حديث : ( إذا خطب أحدكم المرأة فإن استط... - ابن عثيمين
- ما حكم تنظيم النسل بالعزل لا خشية الفقر عملا ب... - الالباني
- حدثنا عبيد الله بن سعيد ومحمد بن أبي عمر قال... - ابن عثيمين
- تتمة القراءة من شرح صحيح مسلم للنووي لباب جو... - ابن عثيمين
- ما الجمع بين هذا الحديث (لقد هممت أن أنهى عن... - ابن عثيمين
- وعن جدامة بنت وهب رضي الله عنهما قالت : حضرت... - ابن عثيمين
- فوائد حديث : ( ... سمعت رسول الله صلى الله ع... - ابن عثيمين
- فوائد حديث : ( لقد هممت أن أنهى عن الغيلة فن... - ابن عثيمين
- تتمة فوائد حديث : ( لقد هممت أن أنهى عن الغي... - ابن عثيمين