تم نسخ النصتم نسخ العنوان
قال الله تعالى : << طس تلك ءايات القرءان و ك... - ابن عثيمينقال الله تعالى: "  طس [النمل:1] الله أعلم بمراده بذلك ".هذا ما سلكه المؤلف وجماعة من أهل العلم بأن هذه الحروف الهجائية الموجودة في أوائل بعض السور موقفن...
العالم
طريقة البحث
قال الله تعالى : << طس تلك ءايات القرءان و كتاب مبين >>
الشيخ محمد بن صالح العثيمين
قال الله تعالى: " طس [النمل:1] الله أعلم بمراده بذلك ".
هذا ما سلكه المؤلف وجماعة من أهل العلم بأن هذه الحروف الهجائية الموجودة في أوائل بعض السور موقفنا منها أن نقول: الله أعلم بمراده بذلك.
وقد سبق في درس التفسير في الليل أن الراجح من ذلك أن هذه الحروف هجائية، وأنه بمقتضى كون القرآن بلسانٍ عربي يقتضي أنه لا معنى له، وذكرنا أن هذا قد روي عن مجاهد، وأنها حروف هجائية ابتدأ الله بها ليس لها معنى، وعلى هذا نجزم بأنه لا معنى لها، لأنه لا معنى لها ولكن لها مغزى وهو: أن هذا القرآن الذي أعجز هؤلاء الفصحاء البلغاء إنما هو من هذه الحروف الهجائية التي يكون منها كلامهم يعني: ما أتى بحروف جديدة مثلاً يقولون: والله هذه حروف ما نعرفها! أتى بنفس الحروف التي هم يتكلمون بها.
ويؤيد ذلك أنه ما من حروف هجائية إلا ويأتي بعدها ذكر القرآن، اللهم إلا في سورتين أو شبهها، على أن هاتين السورتين مثل: الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا [العنكبوت:1 - 2]، الم * غُلِبَتِ الرُّومُ [الروم:1 - 2] فيها ما يدل على القرآن كالأخبار في قوله: غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ [الروم:2 - 3] وهذا من خصائص الوحي.
أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ [العنكبوت:2] فيها أيضاً إخبار عن من مضى وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ... [العنكبوت:3] إلى آخره.
وأما ما زعمه المتأخرون الخالفون من أن هذه الحروف تدل على إعجاز من نوع العدد والحكام، حيث زعموا أن هذه الحروف الهجائية يوجد نظيرها في السورة المفتتحة بها، ويكون مجموع هذا منقسماً على تسعة عشر، ويزعمون أن هذا أكبر آية بأن القرآن كلام الله، ويحتجون على ذلك بأن أول آية نزلت على زعمهم هي بسم الله الرحمن الرحيم، وأنها مكونة من تسعة عشر حرفاً، وأن هذا هو معنى قوله تعالى: لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ * عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ [المدثر:29 - 30] وأن هذا تسعة عشر هي هذه الحروف.
كل هذا والعياذ بالله كذب ولا ينضبط، وهو متناقض أيضاً وغير مطرد، لكن هم فرحوا بهذا الكمبيوتر الذي أخرج لهم عدد الحروف وأنها بمجموعة تنقسم.
ونحن نقول: لا يمتنع أن الله سبحانه وتعالى أراد هذا، ولكنا نقول: لا نجزم بأن الله أراد هذا. فهنا فرق بين الجزم بأن هذه آية في القرآن، وبين أن نقول: لا نقول هذا.
أولاً: لأنه ليس في ذلك إعجاز، والبشر قد يسمعوا خطبة أو كلاماً يتكون الحروف الموجودة فيه، وتنقسم على هذا العدد أو على أي عدد كان، وليس بمعجز.
ثم إن البسملة ليست أول ما نزل من القرآن، أول ما نزل اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ [العلق:1] ثم إن البسملة أيضاً حروفها ليست كما قالوا أنها تسعة عشر، لأن القرآن إنما نزل مقروءاً وإلا مكتوباً؟
الطلاب: مقروءا

الشيخ : مقروءا وهي بحروفها باعتبار القراءة ليست كذلك.
والكتابة كما تعلمون هي اصطلاح، ربما لو فرض أن الكتابة في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام وعهد الخلفاء ليست على هذا الشكل. يمكن أو لا يمكن؟ يمكن.
الآن فيه بعض الكتابات في بعض اللغات يجعلون الحركة حرفاً، ويجعلون الحرف حرفين، أو يختصرون يجعلون الحرفين حرفاً واحداً.
فالحاصل أن القرآن ما نزل مكتوباً وإنما نزل مقروءاً ولا حجة في ذلك.
إذاً: نقول: الله أعلم بمراده في ذلك، هذا أحد الأقوال في المسألة.
والقول الثاني: أنها رموز لأشياء معيّنة مثل ما ذهب إليه العلماء المتأخرون، أو مثل ما يذكر بعضهم أنها إشارة إلى حروب وملاحم تكون في آخر الزمان.. وما أشبه ذلك.
والثالث: أن يقال: إنه ليس لها معنى، وإذا أورد علينا كيف نجزم بذلك؟
فالجواب: أن هذا القرآن نزل بلغة العرب، ولغة العرب لا تجعل لهذه الحروف معنى، لكنها إذا قلنا بأنه ليس لها معنى فإنما لها مغزى يظهر والله أعلم أن الله أراد بها ذلك.
قال: " تِلْكَ أي: هذه الآيات آيَاتُ الْقُرْآنِ آيات منه وَكِتَابٍ مُبِينٍ [النمل:1] مظهر للحق من الباطل عطف بزيادة صفة هو هُدًى أي: هاد من الضلالة ".
تلك آيَاتُ الْقُرْآنِ [النمل:1] المشار إليه سابق أو لاحق؟
الطالب: لاحق.

الشيخ : المشار إليه لاحقٌ وليس بسابق.
وهذا مما تعود فيه الإشارة على متأخرٍ لفظاً ورتبة، وهو جائز إذا دل الدليل عليه.
وقوله: آيَاتُ الْقُرْآنِ يقول: " آيات منه " وإنما لجأ المؤلف إلى قوله: " آيات منه " لأننا لو أخذنا بظاهر الآية آيات القرآن لكان في ذلك حصرٌ للقرآن بهذه الآيات آيَاتُ الْقُرْآنِ [النمل:1] يعني: هذا الذي يشير إليه. ومعلومٌ أن هذا ليس آيات القرآن كلها ولكنه بعضٌ منها.
ويجوز مثلاً أن نجعل الآية على ظاهرها، ولا حاجة إلى التأويل، ونقول: تِلْكَ آيَاتُ الْقُرْآنِ [النمل:1] يشار إلى بعض الجنس بإشارة الجنس كله، كما تقول مثلاً: هذا البشر وتشير إلى رجلٍ واحد، أو هذا الإنسان وتشير إلى رجلٍ واحد.
فالمعنى أن الإشارة إلى بعض الجنس بالجنس كله هذا سائغ ولا يحتاج إلى تأويل كما قال المؤلف.
وقوله: وَكِتَابٍ مُبِينٍ [النمل:1] يقول: " عطف بزيادة صفة هو هُدًى ".
عطف ويش هو عليه؟ وَكِتَابٍ [النمل:1]
الطالب: على آيات.

الشيخ : على آيات.طيب. يصح أو ما يصح هذا القول؟
الطالب: يصح آيات ...جار ومجرور

الشيخ : جار ومجرور إذاً على القرآن تِلْكَ آيَاتُ الْقُرْآنِ [النمل:1] وتلك آياتُ كتابٍ.
وإنما وصف هذا القرآن بالقرآن والكتاب، لأنه مقروءٌ ومكتوب، فهو مكتوبٌ في اللوح المحفوظ، وهو مقروء بالألسن، وهو مكتوبٌ في المصاحف أيضاً. فكتابته سابقة ولاحقة، وقراءته لاحقة وإلا سابقة؟
الطالب: لاحقة

الشيخ : لاحقة لأنها بعد أن تكلم الله به ونزل به جبريل إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ * فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ [القيامة:17 - 18].
والقرآن مشتق أو مصدر؟ مصدر، لأنه مثل الغفران والشكران، فهو مصدر قرأ يقرأ بمعنى: تلا.
وقيل: إنه بمعنى جمع، لأن القاف والراء تدل على الجمع، ومنه القرية لأنها مجتمع الناس.
وفي الحقيقة أن القرآن جامعٌ للوصفين فهو متلوٌ وهو مجموع أيضاً.
وأما قوله: وَكِتَابٍ [النمل:1] فهي فعال بمعنى مفعول أي: مكتوب، وفعال بمعنى مفعول تأتي كثيراً في اللغة العربية مثل بناء بمعنى مبني، وغراس بمعنى مغروس، وفراس بمعنى مفروس.. وأمثلتها كثيرة.
وسُمي كتاباً لما أشرنا إليه قبل.
وقوله: مُبِينٍ [النمل:1] أي: " مظهر للحق من الباطل ".
كلمة مبين فعلها أبان، وأبان يأتي لازماً ويأتي متعدياً أي: يأتي بمعنى أظهر ويأتي بمعنى بان.
ولهذا تجد المفسّر تجده أحياناً يفسّر مبين بمعنى بيّن، وعلى هذا التفسير يكون من اللازم أو المتعدي؟
الطالب: من اللازم.

الشيخ : من اللازم، ويفسّرها أحياناً بمعنى مظهر فتكون من المتعدي، وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ [آل عمران:164] ما معنى مبين؟
الطالب: بيّن.

الشيخ : أي: بيّن.. لفي ضلالٍ بيّن، فهي من أبان اللازم، وأما مثل هذه الآية: أن القرآن مُبين فهو بمعنى مظهر، وهل يستلزم كونه مظهراً أن يكون هو بيّناً؟
الطالب: نعم.

الشيخ : نعم. يستلزم، أو نقول: إنه من باب استعمال المشترك في معنيين.
والصحيح جوازه، وقد مر علينا هذا: هل يجوز استعمال المشترك في معنيين؟ والمشترك أيضاً ...من قبل وهو ما اتحد لفظه وتعدد معناه، هذا المشترك، وسُمّي بذلك لأن المعاني .... مشتركة في لفظٍ واحد.
المشترك الصحيح أنه يجوز استعماله في معنيين بشرط، أو بشرطين ذكرناهما قبل ليلتين وهي: أن لا يقع بينهما تعارض، وأن يكون محتملاً لهما. نعم فإن كان لا يحتملها ما يمكن يُحمل عليه، أو وقع بينهما تعارض ما يمكن لا بد أن يكون أحدهم هو المقصود.
هنا مثلاً إذا قلنا: أن مُبين من أبان اللازم ومن أبان المتعدي. يجوز أو لا يجوز؟ يجوز، وإن كان هذا مشتركاً لكنه إذا استُعمل في معنيين فإنه مستعمل على وجه لا تعارض فيه، فالقرآن بيّن والقرآن أيضاً مبين مظهر.
وعلى هذا التقدير تكون دلالة مبين على أن القرآن بيّن دلالة مطابقة أو دلالة التزام؟
الطالب: دلالة مطابقة.

الشيخ : دلالة مطابقة، إذا جعلنا مبين مستعملة في المعنيين فالدلالة مطابقة، لكن لو قلنا إن مبين بمعنى مظهر فدلالته على كونه بيّناً من باب دلالة الالتزام.
وَكِتَابٍ مُبِينٍ [النمل:1] " مظهر للحق من الباطل " هل هو على عمومه وإلا خاص بما نزل به القرآن؟
يقول الله تعالى: وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ [النحل:89] وهو عامٌ في كل شيء، لكن البيان قد يكون بياناً للشيء على وجه التخصيص، وقد يكون بياناً لأسبابه وطرقه.....
فالقرآن في الحقيقة تبياناً لكل شيء، حتى في غير الأمور الشرعية يبينها، لكن ما يبيّن تفصيلها، لأن هذه غير الأمور الشرعية خاضعة للزمن والمكان وأفهام الناس وقوتهم، لكنه يذكر الأسباب والطرق، وأن تستعملها في نفسك.
ولهذا إذا قال قائلٌ: كيف يصح هذا القول منكم ونحن لا نرى في القرآن عدد ركعات الصلاة، ولا نرى فيها أنها خمس صلوات، ولا نرى أنصبة الزكاة، ولا مقادير .... فيها. فما هو الجواب؟
الطالب: نقول في القرآن يقول الله سبحانه وتعالى كما قال ابن مسعود: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا [الحشر:7] فهذا تشمل ما بيّنه الرسول.
ثم أيضاً قوله تعالى: وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ [النحل:89]، هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ [آل عمران:7]، لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ [النحل:44] يعني .....

الشيخ : وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ [النحل:44].
إذاً: يكون القرآن دالاً على هذا ببيان سببه وطريقه. فعندنا الآن طريق العلم بهذا الشيء هو ما فسّره الرسول عليه الصلاة والسلام إنه هذا وبيّنه القرآن، ولا يلزم أن يكون هذا القرآن لا بد أن يكتب كل التفاصيل مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ [النساء:80].
وابن مسعود الذي أشار إليه إبراهيم في قصة لعن النامصة والمتنمصة إذ جاءت إليه امرأة فقالت:" إنا لا نجد هذا في كتاب الله " فقال:" بلى هو في كتاب الله " ثم تلا عليه هذه الآية .
الحاصل أن القرآن مبينٌ لكل شيء، لكن البيان قد يكون تفصيلياً، وهذا في بعض الأمور موجود كما في المواريث مثلاً في المطلقات. هذا تجده ما يشذ عن هذا إلا مسائل قليلة جداً، ومع ذلك بيانها موجود عند التأمل.
تفصيل الفرائض تفصيل ما شذ عنه شيء، ما شذ إلا كان مسألة واحدة وهي الجدة، هذه ما هي مذكورة في القرآن لكنها جاءت بها السنة، وأما ما عدا ذلك حتى المسائل الخلافية كالمشرفة مثلاً وكالعمريتين نجد أنها موجودة في القرآن، وكالجد والإخوة نجد أنه موجود بيانها في القرآن، لكنه يحتاج إلى تأمل.

Webiste