تم نسخ النصتم نسخ العنوان
فوائد حديث :( لا تصروا الإبل والغنم فمن ابتا... - ابن عثيمينالشيخ : فيستفاد من هذا الحديث فوائد : الفائدة الأولى : تحريم تصرية الإبل والغنم للنهي في قوله :  لا تُصرُّوا  ، فإذا قال قائل : ما الحكمة من ذلك ؟الجواب...
العالم
طريقة البحث
فوائد حديث :( لا تصروا الإبل والغنم فمن ابتاعها بعد فهو بخير النظرين بعد أن يحلبها ... ).
الشيخ محمد بن صالح العثيمين
الشيخ : فيستفاد من هذا الحديث فوائد :
الفائدة الأولى : تحريم تصرية الإبل والغنم للنهي في قوله : لا تُصرُّوا ، فإذا قال قائل : ما الحكمة من ذلك ؟
الجواب : أن الحكمة من ذلك أمران :
الأمر الأول : إيذاء الحيوان ، لأن حبس اللبن يتأذى به الحيوان بلا شك . والثاني : أنه غِش للمشتري ، غش للمشتري ظاهر ، وقد ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال : من غشّ فليس منا .
ومن فوائد الحديث : أن المشتري للمصراة يخيَر بين ردها أو إمساكها ، لقوله عليه الصلاة والسلام : فمن ابتاعها فهو بخير النظرين .
ومن فوائد الحديث أيضًا : أن له الخيار مدة ثلاثة أيام ، والتعليق بالثلاثة ورد في نصوص كثيرة متعددة حتى : كان الرسول صلى الله عليه وسلم إذا تكلم تكلم ثلاثا ، إذا سلم يسلم ثلاثا ، إذا استأذن يستأذن ثلاثا ، والثلاثة معتبرة شرعا في مسائل كثيرة ومنها هذا الحديث .
ومن فوائد الحديث : أنه إذا اختار الرد فإنه يجب أن يرد معها صاعا من تمر ، فإن قال قائل : إذا لم يكن عنده تمر ؟
فإنه يرد معها أقرب ما يكون شبهاً بالتمر من القوت ، لأنه قد يكون في بلاد ليس عندهم نخيل ولا عندهم تمر ، فيرد أقرب ما يكون شبها بالتمر ، وقيل : بل يرد نفس اللبن أو إن كان موجودا أو مثله إن كان قد شربه ، أو قيمته إن تعذر المثل ، ولكن الصحيح أن يرد طعاما أقرب ما يكون إلى التمر ، لأن هذا هو الذي جعله الشارع بدلا عن اللبن المفقود ، ولو كان رد اللبن مقصودًا لقال النبي صلى الله عليه وسلم : فليرد اللبن ، فإن لم يمكن فصاعًا من تمر .
ثم نقول أيضا : إن رد اللبن مثله متعذر ، لأن اللبن الذي وقع عليه العقد لبن في ضرع ، واللبن في الضرع مستحيل رده وتقديره .
طيب من فوائد الحديث : تحريم الظلم ، ويؤخذ ذلك من تحريم التصرية ، وهو كذلك ، فإن الظلم محرم بالكتاب والسنة وإجماع المسلمين ، قال الله تعالى : إنه لا يحب الظالمين ، وقال الله عز وجل : إنما السبيل على الذين يظلمون الناس ويبغون في الأرض بغير الحق أولئك لهم عذاب أليم ، وقال تعالى في الحديث القدسي : يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم : الظلم ظلمات يوم القيامة ، والنصوص في هذه كثيرة ، والعلماء مجمعون على تحريم الظلم .
طيب من فوائد الحديث : حماية الشريعة لحقوق الإنسان ، وجه ذلك : النهي عن التصرية ، وجعل مَن غُبن بها مخيرا بين الإمساك والرد .
من فوائد الحديث : أن الإنسان إذا أمسك بفوات صفة مطلوبة فإنه يمسك بلا أرش ، سواء كانت هذه الصفة مشروطة لفظًا أو حالًا ، المشروطة لفظا أن يقول : إنها لبون في مسألتنا هذه ، تقول : إن هذه شاة لبون كثيرة اللبن ، والمشروطة حالا بماذا ؟ بالتصرية ، مصراة ، فإن هذه التصرية تعطي المشتري شرطا على أنها كثيرة اللبن ، فإذا زال هذا المشروط فإننا نقول للمشتري الآن : إما أن تمسكها على ما هي عليه ، وإما أن تردها بخلاف العيب ، والفرق بينهما ما أشرنا إليه آنفا : أن العيب إيش ؟ نقص ، نقص في السلعة ، لأن مقتضى العقد أن تكون السلعة إيش ؟ سليمة خالية من العيب ، وأما هذا فهو فوات كمال ، فهو زائد على أصل ما وقع عليه العقد وهو السلامة .
ومن فوائد الحديث : إثبات الخيار للإنسان ، أي : أنه يفعل باختياره فيكون فيه رد على من ؟ على الجبرية الذين يقولون : " إن الإنسان مجبر على عمله لا يختار شيئا من الأشياء ، بل هو كالسعفة في الهواء والريشة " .
ومن فوائد الحديث : حرص الشرع على قطع المنازعات والبعد عنها ، مِن أين يؤخذ ؟
الطالب : صاعا من تمر .

الشيخ : مِن تقديره الشيء ، تقديره العوض بصاع من تمر ، ونحن إذا تأملنا نصوص الكتاب والسنة وجدنا أن الشرع ينهى عن كل ما يُحدث العداوة والبغضاء بين الناس ، لأنه يريد من الأمة الإسلامية أن تكون أمة متآلفة متحابة ، كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر .
وهذا -أعني البعد عما يوجب التنافر والعداو والبغضاء- كما هو واجب على سائر المسلمين فهو واجب على طلبة العلم بالذات أكثر من غيرهم ، لأن طلبة العلم هم الذين يُقتدى بهم ، وهم الذين يشار إليهم بالسوء أو بالحسنى ، إن أساؤوا صاروا مشمتة للناس ، وصارت سيئاتهم في عيون الناس أكبر من سيئات غيرهم ، وإن أحسنوا صاروا قُدوة للناس في الخير والعمل الصالح وأحبهم الناس .
ويؤسفنا كثيرا أن نجد العداوة والبغضاء والنزاع والخصومات والجدال والتعصب للباطل بين كثير من طلبة العلم ، عند مسائل شرعية ينبغي أن تكون محل اجتماع ومحل اتفاق ووفاق ، لا أن تكون محل عداوة وبغضاء وسب وشتم وتنفير فإن هذا خلاف الشرع وخلاف ما أمر الله به وما أخبر الله به عن هذه الأمة : وإن هذه أمتكم أمة وحدة ، فإذا كان الشارع يَنهى عن بعض المعاملات المؤداة إلى النزاع والعداوة ، فكيف بالمسائل الشرعية التي تكون هي السبب في العداوة والبغضاء ؟! هذا في الحقيقة شيء يؤسف له ، والواجب على كل مسلم وعلى طلبة العلم بالأخص أن يسعوا إلى كل ما فيه ائتلاف القلوب ، وحصول المصلحة .
أنا لست أقول : دعوا الناس يقولون فيخطئون أو يصيبون ، لا ، لكن يبين للناس وتكون بمناقشة هادئة هادفة ، فإذا تبين الحق وجب على كل إنسان اتباعه ، وإذا لم يتبين فكل إنسان معذور ، والذي يحاسب الخلق هو الله عز وجل ، لأني قد يتبين لي ما لم يتبين لك ، ويتبين لك ما لا يتبين لي ، فلماذا نجعل مثل هذه المسائل سببا للعداوة والبغضاء بين طلبة العلم ، حتى كأن كل طائفة منهم حزب ، حزب مستقل ، ما كأنهم مسلمون .
والواجب خلاف ذلك على طلبة العلم ، أن يكون طالب العلم عند هذا العالم كالطالب عند العالم الآخر ، كل منهم يريد الخير كل منهم يريد التوجيه الحسن للمسلمين ، وكل منهم يريد أن يصل إلى الغاية المنشودة : وهي إقامة شريعة الله بين عباد الله .
طيب ومن فوائد الحديث : أن العدد الثلاثي معتبر في كثير من الأشياء ، وبه تتبين الأشياء ، تتبين الأشياء في الغالب في الثلاث ، فمثلا إذا استأذنت على رجل ثلاث مرات تبين أنه إما غير موجود في البيت ، وإما أنه كاره للفتح ، وإما أنه نائم مستريح ، ولا لأ ؟!
الطالب : بلى .

الشيخ : أما الاستئذان الأول فقد لا يسمع ، والاستئذان الثاني قد يسمع ولكن لا يدري عن حقيقة الأمر ، وفي الثالثة الغالب أنه يتبين فإذا كان يريد أن يفتح لك الباب فتح وإلا تركك ، وهكذا في مسائل كثيرة تعتبر فيها الثلاث .

Webiste